وإذا اعتبرنا أنه رحمه الله تعالى قضى أيام شبابه في بيئةٍ أجنبية أيام دراسته في معاهد الغرب الكبرى التي لا تمت إلى الإسلام بصلة فإن بقاءه مستمسكاً بعروة دينه محتفظاً بيقينه كان من نعم الله عليه وحجته على قوة إرادته
وإن ننس فلن ننسى له المحافظة على زيه الشرقي في عواصم الغرب بينا نرى بعض ملوك المسلمين وأقيالهم يقلدون الغربيين تقليداً أعمى حتى بلغ من بعض ملكاتهم النسج على منوال الملكات الغربيات والظهور بمظهر المدنيات الراقيات، وليس في ذلك من رقيٍّ ولا مدنية، بل فيه خروج على التقاليد واللياقة وطعن في صميم الكرامة وتبذّل غير محمود
فالملك فؤاد اقتعد الذروة في هذا الخلق الإسلامي الكريم وضرب مثلاً أعلى للمسلمين ملوكهم وسوقتهم
الملك أحمد فؤاد كعالم
لو أننا تركنا جميع مآثر الملك المرحوم العلمية جانباً واقتصرنا فقط على أثره الخالد وهو لا يزال في الإمارة نعني به الجامعة المصرية التي كان أول العاملين لها والحادبين عليها لكفاه شرفاً ونبلاً
فهذه الجامعة التي ترأسها وتعهدها وصرف من قوى نفسه ونفيسه على نموها وازدهارها هي مفخرة المفاخر بما قدمته لمصر من الخدم العلمية الجلىّ. وهانحن أولاء نرى ثمارها دانية القطوف على أيدي أساتذة جهابذة يخرجون لنا في كل عام مئات من الناشئين يملئون أرض الكنانة وبلاد العرب علماً وحكمة
والحق أن الجيل المصري الذي عاصر أيام حياة الملك المرحوم كان سعيد الحظ بما وجد أمامه من المسهلات والمشوقات والمرغبات العلمية الكثيرة
وأنا كرجلٍ يُعنى بالتاريخ الإسلامي أذكر للمليك الراحل عمله المشكور في تدوين تاريخ رسمي للدولة المصرية، فقد أمر رحمه الله تعالى بتأليف لجنة لهذا الغرض ووضع تاريخ يستخرج من الدفاتر والوثائق الرسمية، وكان صديقي المرحوم أحمد تيمور باشا من أعضاء هذه اللجنة، وهو الذي أعلمني بذلك في حينه
وكان من دواعي الغبطة للمؤرخين الإسلاميين ظهور مجموعة عزيزة المنال، تتضمن الأوامر الصادرة من حكام مصر إلى عامل الواحات من زمن الفاطميين إلى زمن الخديو