له لامرتين: لقد افتكرت في كل ذلك يا رينه، أما الآن فقد تغيرت أفكاري بعد أن سمعت أقوالك. حقاً إن الشعب الذي يريد التعلّم بالدرس والتسلية بالمطالعة والانتفاع بالخيال والتأثر بالشعور والارتفاع بالفكر، إما أن يموت جوعا وإما أن يثمل بالفساد إذا لم ينتبه لنفسه. لذلك وجب أن تهتم الهيئة، أو أن يخلق الله للشعب هوميروس عاملاً وميلتون مزارعا وطاسين جندياً ودانتي صناعياً وفنلون كوخياً وكورنيل وراسين وبوفون من رجال المعامل لكي يضعوا له ما لا تريد الهيئة الأثرة الكسول وضعه: أي أدبا يمثل عاداته ويعبر عن شعوره. أني أعرض بالفكر ما في المكاتب من المؤلفات النفيسة لأشهر الكتاب وأختار مجموعة صغيرة منها يمكن لأسرة نزيهة من المزارعين والعمال والخدم رجالاً ونساء كهولاً وشباناً أن تغذي بها حياتها الروحية، وأن تتركها على الخوان بغير خوف، وأن تطالع ليلاً وفي أيام الآحاد دون أن يعوزها مترجم أو مفسر، فماذا وجدت؟ وجدت التوراة كتاباً بديعاً حافلاً بالحكايات الشعبية كطفولة النوع البشري ولكنها ملتحفة بالأسرار والعادات الشائنة والغيرة والشرور وغيرها مما يفسد الروح والقلب والعادات فيما لو وضعت في يدي ولد أو تحت نظر الشعب الجاهل دون أن يوجد من يفسر معانيها ويهذب ألفاظها. ثم وجدتُ هوميروس وأفلاطون وسوفلكس وأسكليوس، ولكنهم عاشوا في عصر غير عصرنا، وكتبوا بلغة غير لغتنا، ووصفوا عادات غير عاداتنا؛ ثم وجدتُ فرجيلوس وهوراسيو وشيشرون وجوفنال وتاسيت، ولكنهم كتبوا باللاتينية والشعب لا يعرفها؛ ثم وجدتُ ميلتون وشكسبير وبوبي ودرايدن وبيرون وكرابله، غير أنهم من الإنكليز؛ ثم تاسو ودانتي وبتراركا، وهم ثالوث الشعر الإيطالي؛ ثم شيلر وجيته وفيلند وجزنر، ففي كتبهم صفحات بديعة للشعب لأن الشعر الألماني ينزل إلى درجة الشعب والشعب يرتفع إليه ولكنها بالألمانية؛ ثم سرفنتس وكالديرون ولوبس فيفا، غير أن كتاباتهم هي من النوع الحماسي الذي لا يمكن تجديده الآن؛ ثم الشعر الشرقي السامي بحكمه ومعانيه من هندي وفارسي وعربي، إنها كنوز مستورة من الخيال البشري، ولكن هذه الكنوز الثمينة هي باللغات السنسكريتية والفارسية والعربية، ولا يوجد من يكتشفها وينقلها إلينا
ثم وجدت شعراءنا الفرنسيين القدماء وجل منتوجهم من النوع الروائي الحماسي، وفي المغامرات الغرامية الوقحة والقوافي الأنيقة، وكلها في وصف حوادث البلاط والطبقات