(وأما بعد) فهل تدري من هو أبو الفضل بن شرف هذا؟ أظنك لا تجهل أديب القيروان وكاتبها وشاعرها أبا عبد الله محمد ابن أحمد بن شرف الجذامي القيرواني قرين ابن رشيق ومنافسه في خدمة المعز بن باديس ومنادمته والمتوفى سنة ٤٦٠هـ؛ إذن فلتعلمن أن المترجم له هو ابن هذا الأديب القيرواني العظيم واسمه جعفر بن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن شرف المذكور. . دخل الأندلس مع أبيه، وهو ابن سبع سنين، وقيل إنه ولد في الأندلس بعد أن نهد إليها أبوه وأقام بقرية من قراها تسمى برْجَه ومن ثم يقال للمترجم أبو الفضل بن شرف البرْجي. وللمترجم ابن فيلسوف شاعر مثله هو أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل المذكور - وهو القائل:
وكريم أجازني من زمان ... لم يكن من خطوبه لي بُد
منشد كلما أقول تناهى ... ما لمن يبتغي المكارم حد
هكذا يحدثنا المقري عند إيراده قافيَّة المترجم التي يمدح بها المعتصم بن صمادح أحد ملوك الطوائف والتي ستمر بك قريباً. ومن هذا ومن قول الفتح في كلمته التي صدرنا بها هذه الترجمة، (وهو اليوم بدر هذه الآفاق) يستنتج أنا المترجم أبا الفضل بن شرف هذا أدرك ملوك الطوائف ودولة المرابطين، أي أنه عاش في أواخر القرن الخامس وأوائل القرن السادس
وقد حدثنا الفتح في كلمته بأنه شاعر وأنه فيلسوف وأنه طبيب. أما أنه طبيب فلم نقف له على أثر في الطب ويبدو أنه كان يحترف الطب ويتكسب به وإن لم يؤلف فيه، وربما ألف وضاعت تواليفه فيما ضاع من شتى التواليف. وكذلك الحكم في أنه فيلسوف إذ لم يذكر لنا المؤرخون شيئاً من آثاره في الفلسفة، ولعلهم يعنون بفلسفته ما أثر عنه من الحكم مثل هذه الكلم الجوامع، والحكم الروائع التي أثرت عنه وهي: (العالم مع العلم كالناظر للبحر، يستعظم منه ما يرى وما غاب عنه أكثر. الفاضل في الزمن السوء كالمصباح في البراح، قد كان يضيء لو تركته الرياح. لتكن بالحال المتزايدة أغبط منك بالحال المتناهية، فالقمر آخر ابداره، أول إدباره. لتكن بقليلك أغبط منك بكثير غيرك، فإن الحي برجليه وهي ثنتان، أقوى من الميت على أقدام الحملة وهي ثمان. المتلبس بمال السلطان كالسفينة في البحر إن أدخلت بعضه في جوفها أدخل جميعها في جوفه. التعليم فلاحة الأذهان، وليست