كل أرض منبتة. الحازم من شك فروّى، وأيقن فبادر. قول الحق من كرم العنصر كالمرآة كلما كرم حديدها أرت حقائق الصفات. ليس المحروم من سأل فلم يعط، وإنما المحروم من أعطى فلم يأخذ. يا ابن آدم! تذم أهل زمانك وأنت منهم، كأنك وحدك البريء، وجميعهم الجريء، كلا بل جنيت وجني عليك، فذكرت ما لديهم ونسيت ما لديك. اعلم أن الفاضل الذكي لا يرتفع أمره أو يظهر قدره، كالسراج لا تظهر أنواره أو يرفع مناره، والناقص الدنيء لا يبلغ لنفعه إلا بوضعه، كهوجل السفينة لا ينتفع بضبطه، إلا بعد الغاية في حطه). . . . إلى أمثال هذه الكلمات البديعة الحكيمة الشاعرة الناصعة البيان، المنيرة البرهان، التي لا تصدر إلا عن حكيم جهبذ من الراسخين، وأديب بارع من ذوي القرائح المطبوعين. ويشبه هذه الكلمات من شعر المترجم له قوله:
إذا ما عدوك يوماً سما ... إلى رتبة لم تطق نقضها
فقبل - ولا تأنفن - كفه ... إذا أنت لم تستطع عضها
وإذ قد وصلنا إلى شعر هذا الشاعر الفيلسوف كما يطلق عليه الأندلسيون فلنذكر أن شعره الذي وقع إلينا ينم على أنه شاعر متفنن رفيع الطبقة رصين الشعر، دقيق الفكر، لطيف التمثيل. ومن قصائده الفائقة قصيدته القافية التي أنشدها المعتصم بن صمادح أحد ملوك الطوائف، وكان قد قصر أمداحه عليه، وكان يفد عليه في الأعياد وأوقات الفرج والفتوحات. ولما وفد عليه وأنشده هذه القصيدة كان في زي تظهر عليه البداوة بالنسبة إلى أهل حضرة المملكة وإليك هذه القصيدة:
مَطَلَ الليل بوعد الفلق ... وتَشكيّ النجم طول الأرق