للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السطور يشع كالسطور نفسها، أولست ترى مقالة الاشعاع في باب العلوم أَشَعَّتْ عليَّ معاني في باب الأدب؟

ليسم هذا علماء النفس تداعي المعاني، أو ليسموه إيعازا أو اقتراحاً أو ليسموه ما شاءوا، فليست الا إشعاعات نفسية من جنس الإشعاعات التي يشعها الأشخاص في كلامهم وحديثهم وحركاتهم فتلقف منها من المعاني ما يقرب وما يبعد. وفي الأماكن كذلك أشعة مختلفة، فشارع عماد اليدن يشع رغبة في اللهو وميلا إلى مسرات الحياة، والمساجد تشع ميلا للعبادة وتمجيدا لله، والبحر الجليل يشع عظمة وجلالا، ونجوم السماء تشع حسنا وجمالا، والبنك يشع حبا في المال، والجامعة تشع حباً في العلم، بل وكل بلد يشع نوعا من الأخلاق، وإلا فلم يذهب المصري إلى إنجلترا وقد اعتاد الفوضى في حياته ومواعيده وصحوة ونومه، فما هو الا أن يطأ أرضها حتى ينقلب خلقا آخر دقيقا في نظامه، دقيقا في معيشته؟ ويذهب المصري إلى ألمانيا فيكون في بيئة علمية فيشرب من مشربهم ويسير سيرتهم، فإذا عاد هذا وذاك إلى مصر عادا سيرتهما الاولى، ما هو الا الجو النفسي تلقى فيه أشعة نفسية مختلفة الاثر، مختلفة الألوان

ومن قوانين هذا الاشعاع النفسي أنه في كثير من الاحيان يعتمد على الفاعل والقابل معاً، واعتماده على القابل أبين فيه من الاشعاع الحسي، فاللون الأبيض أبيض عند كل الناس، والأحمر أحمر عند كل الناس، الا من أصيب بعمى اللون، وليس كذلك الاشعاع النفسي، فالخطيب يخطب وإشعاعه يختلف باختلاف السامعين، والكلمة قد تهدي ضالا وقد تضل هادياً، كما يقول المثل الإنجليزي (إن الليل الذي يغمض عين الدجاج يفتح عين الخفاش) وهذا هو السبب في أنك تستخف روح إنسان وغيرك يستثقله، وتعجب بقول متحدث ومن بجانبك يستسخفه، وتتفتح نفسك لكتاب وغيرك ينقبض منه، ما هذا الا لأن الاشعاع الواحد يختلف باختلاف من وقع عليه الشعاع، وإن هناك تفاعلا قوياً بين مصدر الاشعاع وقابله، ومن أجل هذا قد ترى لصا في مسجد وعابدا في حانة.

وموسى الذي رباه جبريل كافر ... وموسى الذي رباه فرعون مرسل

والأرض يمطرها السحاب، فمنها جنان ناضرة، ومنها صحراء مجدية قاحلة، والنار تضيء للساري فيهتدي وللفراش فيحترق

<<  <  ج:
ص:  >  >>