جراء انقطاع أخبار الجيش. . . وهم يذكرون دارا الأول، والد الإمبراطور، بخير ما يذكر به ملك شاد دعائم ملكه على العدل، وقاد جيوش بلاده إلى النصر، ورتع في ظله رعاياه في بحبوحة من العز وبلهنية من النعيم. . . وهم كذلك يصفون لنا أبهة جيش أجزرسيس وعظمة جحافله، وهذه الآلاف المؤلفة من الفرسان والمشاة والكماة والرماة، من مشارق الإمبراطورية الكسروية ومغاربها. . . من حفافي السند إلى ضفاف النيل، ومن أعالي دجلة والفرات إلى أسافل النوبة وإثيوبيا. . .
وهم لا يخفون ما يساورهم من قلق، ويخامر قلوبهم من شك في مصير هذا الجيش العرمرم الذي قذفت به آسيا ليهِلك في ربوع أوروبا، ويجوع ويعرى في مشارق جبالها، وتلتقمه الأسماك في بطون البحر المضطرب. . . لاسيما ومنهم من نصح للإمبراطور ألا يجازف بهذا العدد العديد ضد هيلاس، فكان جوابه أن أقام إلى جانبه رجلا من أمنائه يقول له في كل لحظة:(مولاي! لا تنس الأثينيين. . . مولاي: لا تنس الأثينيين)
- ٢ -
وبينا هم في تناجيهم إذ تقبل آتوسا - الإمبراطورة الأرمل - زوجة دارا، وأم إجزرسيس، والتي قست عليها المقادير فناءت على قلبها بأحزان إمبراطورية بأسرها!!
تقبل آتوسا فيصمت القوم، ويهرعون إليها يسائلونها عما آل إليه أمر الجيش، وهل أفاءت عليه الآلهة بالنصر المرجو والغلب المنشود؟
فتقول آتوسا: (مواطنيّ الأعزاء، وأبنائي الأوفياء! تسائلونني عما أقبلت فيه، وهرعت إليكم من أجله. . . فوالله لقد ضقت بغرفات هذا القصر على سعتها، وخلتها جحيما على أنها جنة نعيم، أليس فيها كنت أحلم بالخلد في حضن دارا، وأجيل الطرف من شرفاتها معه على أمة سعيدة هادئة ناعمة، عيشها مخفرج، وجانبها عزيز، وسلطانها قوي، وظلها ممدود، وسؤددها يطوي السهل والجبل، وثروتها زاخرة وافرة؟! فماذا أرى اليوم؟ أليس ابني قد جمع خير كل ذلك، ومضى لطيته التي لا يعلم ما وراءها أحد؟ هاهي ذي الرياح تصفر في هذا القصر الذي نأى عنه سيده، فكأنه خراب على رغم خزه وديباجه، وشتى تماثيله وتصاويره. . . ويحي! لقد جئت إليكم يا سادات فارس ألقي إليكم بعبء الوساوس التي تجثم على صدري، وتثقل كاهلي، فهل أجد لديكم الكن الأمين، والمشير الوفي،