للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال (م): أقرأُها كما يقرؤها الناس، فما سؤالك عن هذا؟

وهل تقرأ الصحف يوما غير ما تقرأ في يوم؟

قال: آه! إن أول شيء أقرأ في الصحف أخبارُ الوَفيَات لأرى بقايا الدنيا، ثم (إعلانات الأدوية). . ولكن كيف أنت يا ريت؟ إني لأراك ما تزال من وراء أربعين سنةً في ذلك العيش الرَّخِيُ، وأراك تحمل شيخوختك بقوة كأن الدهر لم يَحزُمْك من هنا ولا من هنا، وكأنه يلمسك بإصبعه لا بمساميره، فهل أصبت معجزة من معجزات العلم الحديث؟

قال: نعم

قال: ناشدتك الله، أفي معجزات العلم الحديث معجزةٌ لعظمي؟

قال (م): ويحك يا رينا. إنك على العهد لم تبرح كما كنتَ مزبلة أفكار. . ماذا يصنع فيك العلم الحديث وأنت كما أرى بمنزلة بين العظم والخشب. .؟

قال المحدث: وضحكنا جميعاً ثم قلت للأستاذ (م): ولكن ما (رينا وريت) وما هذه اللغة؟ وفي أي معجم تفسيرُها؟

قال: فتغَامزَ الشيخان، ثم قال (م): يا بني هذه لغة ماتت معانيها وبقيت ألفاظها، فهي كتلك الألفاظ الأثرية الباقية من الجاهلية الأولى

قلت: ولكن الجاهلية الأولى لم تنقض إلا فيكما. . ولا يزال كل شاب في هذه الجاهلية الأولى، وما أحسب (رينا، وريت) في لغتكما القديمة إلا بمعنى (سوسو، وزوزو) في اللغة الحديثة؟

فقال (م): اسمع يا بني. إن رجل سنة ١٩٣٥ متى سأل فيَّ رجل سنة ١٨٩٥: ما معنى رينا وريت؟ فرد عليه: إن (رينا) معناها (كاترينا)؛ وكان (ن) بها صباٌ مغرماٌ، وكان مُقْتَتَلاٌ قتله حبها. أما (ريت) فهو لا يعرف معناها

فامتعض العجوز (ن) وقال: سبحان الله، اسمع يا بني! إن رجل سنة ١٨٩٥ في يقول لك: إن (ريت) معناها (مرغريت) وكانت الجوى الباطنَ، وكانت اللوعة والحريق الذي لا ينطفئ في قلب الأستاذ (م)

قلت: فأنتما أيها العجوزان من عشاق سنة ١٨٩٥ فكيف تريان الحب الآن؟

قال العجوز (ن): يا بني إن أواخر العمر كالنفي. . ونحن نتكلم بالألفاظ التي تتكلم بها أنت

<<  <  ج:
ص:  >  >>