للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأنتما وأنتم. . غير أن المعاني تختلف اختلافاً بعيداً

قلت: واضربْ لهم مثلاً

قال: واضرب لهم مثلاً كلمة (الأكل) فلها عندنا ثلاثة معان: الأكل، وسوءُ الهضم، ووجع المعدة. . وكلمة (المشي) فلها أيضاً ثلاثة معان: المشيُ، والتعب، وغمزاتُ العظم. . وكلمة (النسيم)، النسيم العليل يا بني؛ يزيد لنا في معناها تحرك (الروماتزم). .

فضحك (م) وقال: يا (شيخ). .

قال العجوز: وتلك الزيادة يا بني لا تجيء إلا من نقص، فهنا بقيةٌ من يدين، وبقية من رجلين، وبقية من بطن، وبقية من ومن ومن، ومجموع كل ذلك بقية من إنسان

قال الأستاذ (م): والبقية في حياتك. .

قال (ن): وبالجملة يا بني فان حركة الحياة في الرجل الهرم تكون حول ذاتها لا حول الأشياء؛ وما أعجب أن تكون أقصر حركتي الأرض حول نفسها كذلك، وإذا قال الشاب في مغامرته: ليمض الزمن ولتتصَّرم الأيام، فان الأيام هي التي تتصرم والزمن هو الذي يمر. أما الشيوخ فلن يتمنَّوه أبداً. فمن قال منهم: ليمض الزمن فكأنما قال فلأمض أنا. .

فصاح (م): يا شيخ يا شيخ. .

ثم قال العجوز: واعلم يا بني أن العلم نفسه يهرم مع الرجل الهرم فيصبح مثله ضعيفاً لا غنَاء عنده ولا حيلة له، وكل مصانع لنكشير ومصانع بنك مصر واليابان والأمريكتين، وما بقى من مصانع الدنيا، لا فائدة من جميعها فهي عاجزة أن تكسوَ عظامي. .

قال المحدث: فقهقه الأستاذ (م) وقال: كدتُ والله أتخشَّب من هذا الكلام، وكادت معاني العظم تخرج من عظامي. لقد كان المتوحشون حكماء في أمر شيوخهم، فإذا علَت السنُّ بجماعة منهم لم يتركوهم أحياءً إلا بامتحان، فهم يجمعونهم ويلجئونهم إلى شجرة غضة لينة المهَزَّة فيكرهونهم أن يصعدوا فيها ثم يتدلَّوا منها وقد عَلِقَت أيديهم بأغصانها؛ فإذا صاروا على هذه الهيئة اجتمع الأشداء من فتيان القبيلة فيأخذون بجذع الشجرة يرجعونها وينغضونها ساعة من نهار؛ فمن ضعفت يداه من أولئك الشيوخ أو كلتَّ حوامل ذراعيه فأفلت الغصن الذي يتعلق به فوقع، أخذوه فأكلوه. ومن استمسك أنزلوه فأمهلوه إلى حين فاقشعر العجوز (ن) وقال: أعوذ بالله هذه شجرة تخرج في أصل الجحيم، ولعنها الله من

<<  <  ج:
ص:  >  >>