حكمة، فإنما يطبخونهم في الشجرة قبل الأكل، أو هم يجعلونهم كذلك ليتوهموهم طيورا فيكون لحمهم أطيب وألذ، ويتساقطون عليهم من الشجرة حمائم وعصافير
قال (م): إن كان في الوحشية منطق فليس في هذا المنطق (باب لِمَ)، ولا (باب كيف)، ولو كان بهم أن يأكلوهم لأكلوهم، غير أنها تربية الطبيعة لأهل الطبيعة؛ فان رؤية الرجل هذه الشجرةَ وهزَّها وعاقبهّا يبعد عنه الضعف والتخلخل، ويدفعه إلى معاناة القوة، ويزيد نفسه انتشاراً على الحياة وطمعاً فيها وتنشطاً لأسبابها، فيكون ساعدهُ آخر شيء يهرم، ولا يزال في الحِدّة والنشاط والوَثَبان، فلا يعجز قبل يومه الطبيعي، ويكون المتوحشون بهذا قد احتالوا على الطبيعة البشرية فاضطروها إلى مجهودها، وأكرهوها على أن تبذل من القوة آخر ما يسمع الجسم
قال (ن): فَنَعم إذنْ، ولعن الله معاني الضعف. كدت والله أظن أني لم أكن يوماً شاباً، وما أراك إلا متوحشاً يخاف أن تؤكل فتظل شيخاً رجلا لا شيخا طفلا، وترى العمر كما يرى البخيل ذهبه مهما يبلغ فكثرتهُ غير كثيرة
قال المحدث: وأضجرني حواهما إذ لم يعد فيه إلا أن جسم هذا يرد على جسم هذا، وإنما الشيخ من أمثال هؤلاء زمان يتكلم ويقص ويعظ وينتقد، ولن يكون الشيخ معك في حقيقته إن لم ترحل أنت فيه إلى دنيا قديمة. فقلت لهما: أيها العجوزان! أريد أن أسافر إلى سنة ١٨٩٥. . .