للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما الاعتراض الثاني فنشأ عن وقائع ما بعد الحرب، تسمعه من أفواه أساتذة الجامعة كما تسمعه ممن يهتم للكلام في الشؤون العامة من بين معلمي المدارس الأولية، ويتردد صداه بين أوربا وأمريكا وآسيا، ذلك هو الاعتراض على صلاحية الحكم النيابي بنجاح نظام الحاكم المستبد العادل. يقولون إن المستبد النزيه انتشل إيطاليا من مخالب الفوضى ووضعها في مصاف الدول المرهوبة الجانب في زمن قصير. وفي مثل هذا الزمن انتزع المستبد النزيه تركيا من أحضان الموت وأوقفها على قدميها يخطب الأقوياء ودها اليوم بعد أن كانوا يتنافسون في اقتسامها بالأمس، ويقولون عن جماعات أخرى مثل هذا. ويخرجون من المقارنة بأن الحكم النيابي لم يعد المثل الأعلى لنظم الحكم في وقتنا هذا

غير أن المستبد العادل من خوارق الطبيعة. ولا يصح وضع قاعدة عامة على أساس الشذوذ. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالمستبد لا يقبل معارضة. ولا بد أن تفقد الجماعة روح النقد في مثل هذا الجو. فإذا ما انقضى عهد سحر الزعيم لسبب ما، سارت الأمة نحو الضعف بأسرع مما سار بها سحر الزعيم المستبد إلى القوة

هذا إلى أن إحاطة الزعيم بكل شيء أمر مستحيل. ولا بد له من مجلس يرجع إليه، وإن لم يتقيد بما يبدي فيه من آراء. فإذا لم يكن هنالك، في ذلك الحيز الضيق، حرية رأي فإن الزعيم لا يسمع في الواقع إلا صدى صوته. ولما كانت الإحاطة بكل الأمور متعذرة كان خطأ التصرف هنا أمر لابد منه في حالات كثيرة. وإذا قدر للحكم النيابي، بشكله الحالي، أن يتلاشى، فلا ينفع الجماعة نظام المستبد العادل. بل ينفعها نظام النقابات وفي هذا النظام لا بد من استقلال الرأي والحرية لتمحيص الأمور قبل إبرامها

لنعد الآن إلى تناول موضوع التشريع لنقول إن حرية الجهر بالرأي ألزم ما تحتاج إليه أداة التشريع. هذه الحرية لازمة داخل الأحزاب لزومها خارجها. فنقد رأي الزملاء والزعماء في حرية لا غنى عنه لتقرير أقرب الآراء للسداد وأقلها تعرضاً للسقوط إذا ما هاجمها خصوم الحزب، والإمساك عن النقد مصانعة أو جبناً قد يؤدي إلى قرار خاطئ تسهل معه المهاجمة من الخارج. وهذه الحرية لازمة كذلك في مجالس التشريع وعلى صفحات الجرائد وفوق المنابر خارج هذه المجالس. وإبداء الرأي في غير مواربة من أقوم سبل تغيير هذه الهيئات برغبات الجماعة وبمواطن الصواب. ولن يكون هذا ما لم تكن غالبية

<<  <  ج:
ص:  >  >>