قاصرة جداً عن تحقيق هذه الغاية. ومن المسلم به أن غاية التربية الصحيحة أن تعد المرء للحياة، وتسلحه بما يكفل له النجاح في كفاحها، وتؤهله للدور الذي ينتظره وتنتظره الإنسانية منه. والمدارس التي تعلم الطبيب كيف يحارب العلل وينقذ المرضى، وتعلم التاجر كيف يُروج بضاعته ويزيد ربحه، والزارع كيف تجود حاصلاته وتسلم من الآفات، والصانع كيف يتقن صناعته ويرقى بفنه، فتعد كلا منهم لمركزه الخاص. . . جديرٌ بها أن تعد الفتاة (ووظيفتها تختلف عن وظيفة الرجل) للقيام بدورها الخطير. فما لاشك فيه أن الفتاة أحوج إلى درس نفسية الأطفال في مراحل نموهم وعرفة طرق العناية بهم جسمياً وخلقياً منها إلى دروس الميكانيكا، وهي أحوج إلى علم الاقتصاد منها إلى حساب المثلثات، وهي أحوج إلى تدبير المنزل والحياكة والتفصيل منها إلى الهندسة الفراغية، وهي أحوج إلى علم الصحة والموسيقى منها إلى الكثير مما تدرسه الآن. لست ضد ثقافة المرأة، ولا أريد الحد من حرية الرغبات في الدراسة العالية، ولكني أريد أن يميز العلم بين حاجة الجنسين، وأن يفرق بين من تتعلم لتحترف الطب أو المحاماة مثلا وبين الأغلبية من سواد الشعب اللواتي ينتظرهن البيت المصري جنوداً يعملن على حمايته ورفع مستواه، وأن يعني بالمواد النسوية عناية كافية تستفيد منها المرأة في حياتها العملية، وإلا ضاع معظم جهدها وما ينفق على تعليمها فيما لا طائل تحته، وصدق علينا قول الشاعر:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا ... مضر كوضع السيف في موضع الندى
ونظرة نافذة ترينا أننا في حاجة ماسة تبلغ حد الظمأ إلى تحسين نوع تعليم البنات منا إلى إكثار المدارس لهن. فما أكثر حاملات الشهادات، ولكن ما أكثر الصدف وما أقل الدر فيه، وما أكثر الزهر وما أقل العِطر منه، وأن يوماً تعدل فيه مناهج تعليم البنات تعديلاً يهيئ لهن الدراسة التي تتفق مع وظيفتهن، وتوضع القيود والضمانات لقصر عدد من يدرسن مناهج البنين على الراغبات فعلاً في الدراسة العالية حتى لا تتحول الأغلبية إليها. . . لهو اليوم الذي نكون فيه قد وجهنا التعليم النسوي وجهته المنتجة، وخدمنا البلاد أجل خدمة
هذا واجب الحكومة مجملاً: أما واجب الجمهور فأن يساعد العاملات مادياً وأدبياً، ويشد أزرهن بلطفه وتشجيعه، فيناصرهن الغني بماله والكاتب بقلمه، والخطيب بلسانه، والمصور بريشته، والفقير بتطوعه للعمل، والمعلمون والآباء بما يبثونه من المبادئ الطيبة