غيرهم، يقولون ما ليس بحق ثم يصدقونه إذا رأوا تصديق الناس له، وهذا بسبب تأثير الإيحاء في أنفسهم. ولا يستطيع المرء أن يفهم الناس إلا إذا فهم هذا الإيحاء، وإلا إذا فهم أن النفس قد تجمع بين النقيضين في وقت واحد، فتجمع مثلاً بين أثر الإيحاء وبين الدليل المنطقي الذي ينقضه
خذ مثلاً آخر: يقول لك علي أن أحمد قد هجاك، وأنت تعرف أن علياً كاذب فيما نقل عن أحمد، ولكن من المستطاع أن تجمع في نفسك بين تكذيب علي وبين الامتعاض من أحمد الذي تعرف براءته، والامتعاض هذا من أثر الإيحاء
والإنسان يستطيع أن ينقل الكلام المحكي من عالم المنقول إلى عالم المدرك بالحس بسبب أثر الإيحاء أيضاً، حتى أنه لو قيل لجماعة أن إنساناً ينظر إليهم شزراً لم تعدم بينهم من يرى ذلك أو يظن أنه يرى ذلك وإن لم يحدث؛ وبعض الناس أكثر تأثراً بالإيحاء من غيرهم. وقد حكي أن بعض فقراء الهنود يرمون بحبل إلى السماء فيظل ممدداً حتى يستطيع غلام أن يصعد إلى طرفه الأعلى؛ وفسر بعض الكتاب هذه القصة بأنها من أثر الإيحاء في نفوس بعض النظارة، وبسبب أن المرء ينقل الكلام المنقول المحكي إلى عالم حسه فتنشأ دعوى المشاهدة. وهذه الصفة في الإنسان كثيراً ما تخدعه ويخدع بها غيره من الناس في أمور كثيرة من أمور الحياة. وقد ينخدع بها ويصدقها وهو يعرف أنها وهم؛ وقد يجمع بين تصديقها وتكذيبها في نفسه في وقت واحد
ويعتقد كثيرون أن الإيحاء يؤثر في الحيوان أثره في الإنسان. ومن المشاهد أن احساسات الإنسان من ذعر أو حب أو فرح أو خوف قد تنتقل إلى الكلاب مثلاً عن طريق الإيحاء. وقد بالغ بعض الناس فادعى أن أثر الإيحاء قد ينتقل إلى الجماد أيضاً. وعلل إسقاط كهنة زنوج أواسط أفريقية الأمطار بهذا الأثر. والعلم لله في هذا الأمر
وترى الجهال في الحياة يستخدمون وسائل الإيحاء لمنفعة النفس أو منفعة الصديق ومضرة العدو بطرق منظمة تحسبها نتيجة دراسة الإيحاء والبحث في علم النفس، وما هي بنتيجة دراسة وعلم، ولكنها السليقة التي تبصر الإنسان بوسائل الإيحاء. ولو علم الصائلون بإيحائهم المقتدرون به الجالبون لأنفسهم ولأودائهم به الخير أن بين العامة من لا يقل قدرة عن الخاصة في استخدام الإيحاء ما افتخروا بمهارتهم في استخدام وسائل الإيحاء ولا