عدوها من دلائل العقل والحكمة، ولا حسبوا أنهم فازوا في الحياة بهمها، ولو علم العقلاء الحكماء أن وسائل الإيحاء أقرب إلى النجاح من وسائل العقل، وأن الإيحاء يستمد من السليقة ما غالوا بعقلهم وحكمتهم كل المغالاة، ولا حزنوا إذا أبصروا انخذال وسائل العقل وانهزامها أمام وسائل الإيحاء
والتأثر بالإيحاء من صفات القطعان، سواء القطعان البهيمية والقطعان البشرية؛ فإذا أحدثت بهيمة في قطيع صوتاً أو اتخذت طريقاً تابعتها بهائم القطيع. وهذا هو ما يحدث أيضاً في القطيع الإنساني بسبب أثر الإيحاء والمحاكاة التي هي من أثر الإيحاء. والقطيع البشري أكثر تأثراً به بسبب إحساسه وخياله الناميين. والإيحاء قد يكون في النوم أو في اليقظة، وكثيراً ما كان يعتمد السحرة على الإيحاء وأثره في النفس، وتأثر الجسم بما تعتقده النفس
وقد تتذبذب وتتحول نفوس الناس ساعة بعد ساعة، أو يوماً بعد يوم تذبذباً لا حد له في الأمور اليومية والاحساسات المتغيرة العارضة بسبب اختلاف أنواع الإيحاء ومراميه، حتى ليشبه تذبذبهم تذبذب السراب أو ذرات الهباء في أشعة الشمس، ولكنهم لا تأخذهم الدهشة من أنفسهم لأنهم لا يفكرون في أنفسهم ولسرعة التذبذب كما لا تحس دورة الأرض، ولأنهم ثابتون على بعض عقائد ومبادئ عامة لا مناص لهم من الثبات عليها، فتلهيهم عن تذبذبهم المستمر بسبب اختلاف نزعات الإيحاء، والتذبذب النفساني ينشأ عنه تذبذب جثماني لاختلاف حركات الوجه والجسم حسب الأهواء والميول والنزعات النفسية. والبيع يشبه الاحتيال من ناحية الاعتماد على الإيحاء إلى حد كبير، وإن اختلفا فيما عدا ذلك، ويسمي الناس وسائل البيع والاحتيال التي تعتمد على الإيحاء الطريقة الأمريكية في البيع، والطريقة الأمريكية في الاحتيال والنصب، وهي طريقة شائعة في النفوس عامة وفي كل أمر من أمور الحياة من تجارة أو مهنة أو صداقة أو محبة أو عداوة، وإنما تختلف باختلاف النفوس ولا تمنع من اقترانها بنصيب من الفضيلة أو الصدق أو النزاهة أيضاً، لأن النفس تجمع بين النقيضين. ويستخدم الإيحاء كثيراً في الإعلانات عن العقاقير والكتب والمؤلفات وغيرها
ومما يزيد الإيحاء قوة أن المتأثر به الذي نقل أثر الإيحاء إلى عالم حسه ومشاهداته كما أوضحنا يصبح شاهداً يستشهد به صاحب الإيحاء كأن شهادته ليست نتيجة أثر إيحائه، إذ