وارتقب، فليس مع خصمك إلا الحديد والنار، ولكن العالم كله معك، والقلوب كلها تخفق بحبك، وبغض عدوّك. إن الحب والبغض هما أقوى سلاح في الوجود، وأنهما إذا لم يقوما اليوم للمدفع والطيارة، فلن يقوم لهما غداً طيارة ولا مدفع، وأن خصمك يستطيع اليوم أن يخطب فيصيح ويفخر ويهدّد، ويستطيع أن يجرّد الجيوش، ويسير الأساطيل، ويطلق المدافع؛ ولكنه لا يستطيع أن يصنع المسمار الذي يسمر به الفلك، فيقفه عن الدوران، ولو جمع له كل حديد الأرض. إن الفلك يدور أبداً، فيقوى الضعيف، ويضعف القوي، ويشب الطفل، ويهرم الشاب، ويرتفع من كان في الحضيض، ويهبط من كان في الأوج؛ فاصبر وارتقب
إنك لم تجبن ولم تفرّ، وقد أعذرت إلى أمتك ونفسك وإلى التاريخ، فما ألوت في الجهاد جهداً، ولا ادخرت عنه أيداً، وكأني أنظر إليك الآن وقد في كنت دارة عرشك، وقرارة ملكك، وموطن شعبك؛ وكنت آمناً مطمئناً، تتعهد بلدك بالإصلاح، وأمتك بالتهذيب والتعليم، فما راعك إلا صوت الصريخ تدوي به أروقة القصر، فهببت مذعوراً - وما كنت بالذي يذعر أو يضطرب - واستخبرت الخبر، فعلمت أنه الموت قد حمله المتمدنون إلى بلادك ألواناً، فخففت إلى هؤلاء الممتدين تسألهم ماذا يريدون؟
- قالوا: نريد بلادك فاخرج منها، أو فابق فيها عبداً لنا وخادماً!
- قلت: وأي ثأر لكم عندي، وأي عداوة بيني وبينكم؟ أهي أن جاء قوم منكم منذ حين يريدون قتلنا، فرددناهم عنا؟ أليس لنا أن ندافع عن أنفسنا؟
فثار في عروقك الدم العزيز الذي لم يذلّ منذ ألفي سنة، فأهبت بجمعية الأمم، وناديت حماة السلام. فلما لم تجد منهم مجيباً، صرخت في شعبك أن خذوا السلاح وتأهبوا للموت، فإن في الديار لصوصاً متمدنين، من أحفاد كافور وغاريبالدي ودانتي ورفائيل. . . يريدون أن يسرقوا حياتكم وحريتكم وبلادكم!