شيطان صديقتي شيطان ذكر، نبت في الشرق وتمرد في أمريكا فصير صاحبته كعصير العنب المستقطر بالبيانسون فائدته في قتله بالماء، وهكذا متى عادت صديقتي إلى أمريكا سيتذوق الأمريكان خمرة معارفها ويستوعبون عمق وعيها وإدراكها وواسع اطلاعها، وقد مزجت ثقافتها الأمريكية بروح شرقي خاصته الإلهام والفيض
لقد عرفت نفسية صاحبتي تصغي إلى كل نأمة، تستوعب الكلمة والغرض، تلمح البادرة الخاطفة، تدرك مرامي النكتة، تقيد شوارد الفكرة وهمسات الفؤاد وسبحات الأحلام، تسمع ولا تتكلم كغالب السوريين، ولكنها متكلمة يطيب لها الحديث تحلل فيه ما سمعت وتنقد ما رأت، على ضوء كأس من الويسكي (كناديان) وسيجارة أمريكية لا تنطفئ من ماركة (لكي ستريك)
علقت الويسكي وأدمنت التدخين، فكانت تصدني عن الأول لو حاولت شرب كأس قبل الطعام، ولا تسمح به إلا بعيد منتصف الليل، لأنه يعاون الجسد على الاستغراق في النوم، وتستكثرني من التدخين، لأنه يجلي البصيرة على رقصات الدخان وتلاعب تموجاته
شهران من شهور الصيف كانت لياليهما لنا ريادة استكشفنا بها أشياء كثيرة، منها أغاني الرمال وأنغامها في الصحراء متى داعبها النسيم أو عصف الريح، جثوم أبي الهول عند أقدام الأهرام، هدير النيل في الشلال وعظمته في القناطر الخيرية، في غابات النخيل المتكاثفة في كثبان الرمل، وقد رأينا أشياء كثيرة في النهار من معالم مصر كقبور الفراعنة ومخلفاتهم الباقية على الدهر، والجوامع والأديرة والمدافن وسواها مما لم يحفزني حافز من قبل إلى مشاهدته
شهران كانا لي رياضة نفسية عجيبة كنت أتمرن في خلالها على الاستنباط من لوحة ذكريات الطفولة، صوراً بريئة أعرضها على مجهر خيالي وقد استفاق على المعرفة، والبحث عن المعلوم والمجهول. يا لله من اصطدام الطفولة البريئة بالرجولة المحنكة، من قوة العقل تكبح جماح طفرة النفس، من صعوبة سيادة الملكات الإنسانية المكتسبة على نزوات الطبيعة الوحشية، من همهمات ملائكة الضمير على وسوسة الشيطان الرجيم. . . . . .!!