ثم ساد هذا المذهب أيضاً فن الإخراج المسرحي فجعل من مظاهره المادية (وهي الأستار والملابس والإضاءة)، ثم من مظاهره النفسية (وهي إلقاء الممثل وإشاراته)، فناً يجنح إلى البساطة الموحية الغنية، ويميل إلى التركيز بل يهوي أحياناً إلى مقاربة الفن الرمزي من حيث المغالاة في التفسير بالرئيسيات عن الجزيئيات والدقائق
وكانت هذه النقلة من جراء تقدم فن الفوتوغرافيا ثم فن السينما الذي جعل كل محاولة من جانب المخرج المسرحي في نقل الطبيعة ومحاكاتها على المسرح ضرباً من السخف ولوناً من الهزل الفني الذي يجب أن يترفع عن إتيانه كل متفنن يتأثر بروح العصر ومزاجه العام
وغالى بعض المخرجين في توليد هذا المذهب، ولاسيما بعد أن نزلت بفن المسرح كارثته الأخيرة، وكسبت السينما النصر في استمالة الجمهور فجعلوا من المناظر المتعددة في رواية واحدة منظراً واحداً يشيد بحال يمكن المخرج من تمثيل كافة مشاهد الرواية في أقسامه المختلفة مع إضاءة القسم الذي يجري فيه تمثيل المشهد وإبقاء الأقسام الباقية في الظلام؛ هذا مع الاستعانة ببعض الأستار الجزئية أو الأثاث والمهمات، حتى لا يتصدع ما يصح أن (تعقله) عين الجمهور وحتى لا تصدم مخيلة النضارة بما يخرج على المنطق الإيحائي الذي هو الباعث الأساسي لشهوة الجمهور المثقف على تذوق هذه اللذة الفنية، لذة الإيحاء واستساغتها
وقد عمد المخرجون، ولاسيما الإنجليز منهم والألمان، إلى هذا الاتجاه الفني، وهو ليس بالفن الجديد لأنه عرف على حالة أولية في مسارح القرون الوسطى بأوروبا وفي المسرح الإنجليزي في عهد شكسبير والملكة اليصابات؛ عمدوا إلى ذلك بعد أن أفلس المذهب الواقعي الذي عمدته في فرنسا، وفي الروسيا، في محاولة إنقاذ المسرح بعد أن اكتسحته (الكاميرا) مستشعرين قصور ميكانيكية المسرح على تقدمها الأخير عن بلوغ الشأو الذي قطعه فن السينما في إيراد مناظر لا حد لها ولا نهاية بأيسر الوسائل وأقل التكاليف
وأرادوا بهذا أيضاً، وهو الصميم، أن يقدموا للنظارة لذة ذهنية جديدة غير تلك التي يقدمها فن السينما القائم على تعدد المناظر والعرض الواسع ومحاكاة الطبيعة في أدق مظاهرها، لذة أساسها التخيل واستثارة الخاطر وإشعار النظارة لذة التوليد مما هو مركز، وجمال