ولو عيد موسوليني مغزاه، ذلك أن إيطاليا تستقر الآن في الحبشة بقوة الفتح فقط، ولكن هذه الحقيقة الواقعة لا يمكن أن تعتبر حلاً نهائياً للمسألة الحبشية، وإنما تنتقل المسألة الحبشية الآن من ميدان الحرب إلى ميدان الحوادث الدولية والصراع الاستعماري. ولنذكر دائماً أن ما أبدته عصبة الأمم من إقدام في الحكم على إيطاليا بالاعتداء وتوقيع العقوبات الاقتصادية عليها يرجع قبل كل شيء إلى تدخل إنكلترا ونفوذها؛ وإنكلترا لم تتدخل ولم تعمل لتنظيم هذه الحركة الدولية تأييداً لميثاق العصبة ومبدأ السلامة المشتركة فقط، ولكن لأن الانتصار الفاشستي في الحبشة يهدد صرح الإمبراطورية البريطانية ومصالحها الحيوية بأعظم الأخطار
وقد عقدت الآمال من قبل على تدخل العصبة وجهودها؛ وما زالت العصبة على موقفها من استنكار عمل إيطاليا وتأييد العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها؛ وربما اتخذت إجراءات أخرى في هذا السبيل في اجتماعها الذي سيعقد في الخامس عشر من يونيه؛ ولكنا نستطيع منذ الآن أن نضرب صفحاً عن الدور الذي يمكن أن تؤديه العصبة في حل المشكلة الحبشية بعد أن انهار تدخلها، ولم تستطع أن تنفذ كل ما يقضي به ميثاقها للتوسل إلى إرغام المعتدي على وقف الاعتداء
والآن ينكشف النضال واضحاً عن معركة دولية ذات وجهين: أحدهما قد أتخذ حتى اليوم ستاراً للآخر؛ فأما الوجه الأول فهو مبدأ السلامة المشتركة طبقاً لميثاق عصبة الأمم، وهو المبدأ الذي انتهكته إيطاليا بغزو الحبشة، وحاولت العصبة تأييده بفرض العقوبات؛ فالدول الصغرى من أعضاء العصبة تتساءل اليوم، هل في وسعها أن تعتمد في سلامتها الخاصة على تطبيق هذا المبدأ بعد الفشل الذي لحق العصبة في وقف الاعتداء الإيطالي؟ أم هل يجب عليها أن تبحث عن وسائل عملية أخرى كعقد المواثيق المحلية لتأمين سلامتها؟ إن ما ارتكبته إيطاليا في الحبشة يمكن أن ترتكبه غداً في تركيا، أو في اليونان، ويمكن أن ترتكبه ألمانيا في النمسا أو هولنده أو لتوانيا، ويمكن على وجه العموم أن ترتكبه أية دولة قوية ضد أية دولة ضعيفة دون أن تجد وازعاً كافياً لوقف عدوانها؛ فأنصار عصبة الأمم يرون في هذا الطور الحاسم من تأريخ العصبة أن لا أمل في نجاح مبدأ السلامة المشتركة ما لم يعدل دستور العصبة في هذا الشأن تعديلاً وافياً، وتنظم العقوبات الاقتصادية