للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والعسكرية التي تطبقها العصبة على المعتدي تنظيماً يكفل أثرها في وقف الاعتداء المسلح بسرعة؛ وخصوم العصبة يرون أن التجربة الحبشية كانت حاسمة، فعلى عصبة الأمم أن تعلن إفلاسها، وعلى الدول أن تعتمد على وسائلها الخاصة للدفاع عن نفسها؛ وتقف الدول الصغرى فيما بين ذلك حيرى، ولكنها تعمل من جهة أخرى على تنظيم وسائل الدفاع عن نفسها جهد المستطاع

وأما الوجه الثاني من هذه المعركة الدولية، فهو نشوب النضال بين قوة عسكرية جديدة طامحة، هي الفاشستية الإيطالية، وبين إمبراطورية استعمارية عتيدة، هي الإمبراطورية البريطانية؛ ولم يكن خافياً منذ البداية أن نشاط السياسة البريطانية في توجيه عصبة الأمم إنما هو مرحلة فقط من مراحل النضال الحقيقي؛ والآن وقد انتهت هذه المرحلة بظفر العسكرية الفاشستية، وهزيمة السياسة البريطانية، فأن النضال يوشك أن يدخل طوره الثاني؛ وقد أدركت بريطانيا العظمى منذ البداية ما تهدد به تلك الفاشستية المضطرمة الطامحة، سيادتها في البحر الأبيض، وما يهدد به ظفرها في الحبشة سيادتها في وادي النيل وشرق أفريقية؛ وسيادة الإمبراطورية البريطانية ومواصلاتها، صرح لا يتجزأ، فأي صدع يصيبها يعرض البناء كله للخطر؛ ولم تخف الفاشستية ولا سيما منذ ظفرها في الحبشة، أنها تداعب حلماً إمبراطورياً ضخماً، وما فتئ زعيمها يتحدث عن أحياء الإمبراطورية الرومانية؛ وليس من ريب في أن السياسة البريطانية ترى في هذه العسكرية الطامحة المتجنية، المعتدة بقوتها، المعتزة بظفرها، خطراً عظيماً على كيان صرحها الإمبراطوري، تزمع سحقه بأي الوسائل

- ٢ -

وليست إنكلترا وحدها هي التي تستشعر ذلك الخطر العسكري الجديد الذي تهب ريحه على أمم البحر الأبيض بنوع خاص، بل إن أمم أوربا كلها تستشعر به وتخشى تفاقمه؛ وإذا كانت ثمة دول مثل فرنسا وألمانيا والنمسا تنظر إلى نهوض الفاشستية بعين الإغضاء، وربما بعين الرضى، فذلك لظروف خاصة مؤقتة لا تلبث أن تزول فتشعر هذه الأمم بنفس الشعور الذي يثيره ظهور عسكرية جديدة جامحة تحتقر العهود والمواثيق الدولية وتجعل شعارها القوة الغاشمة دون غيرها

<<  <  ج:
ص:  >  >>