والآن يبدو الخطر الفاشستي في الأفق، وتنذر العسكرية الفاشستية الجامحة بتحطيم التوازن الأوربي في شرق أوربا وفي وسطها، وتتحدى بالأخص سيادة إنكلترا البحرية في البحر الأبيض؛ وقد زادها انتصارها في الحبشة زهواً وتحدياً، فهل تصبر أوربا، وهل تصبر إنكلترا بنوع خاص حتى يتفاقم الخطر الفاشستي كما تفاقم الخطر البروسي قبيل الحرب؟ هذا ما لا نعتقد، وفي يقيننا أن الإمبراطورية البريطانية تتأهب لخوض ذلك الصراع التقليدي الذي حرصت دائماً على خوضه لتحطيم ذلك الطغيان العسكري الجديد الذي يهدد سيادتها ومصالحها الحيوية في البحر الأبيض وفي شرق أفريقية، وإذا كانت السياسة البريطانية ما زالت تبدي بعض الفتور والتردد في العمل الحاسم فذلك لأن مصاير الحرب والتسليحات الحديثة قد اتخذت وجهة جديدة، ولم تعد السيادة البحرية وحدها كافية لأن تملي بريطانيا كلمتها؛ ومن تقاليد بريطانيا المأثورة أنها لا تتعجل الحوادث، ولا تسارع إلى قبول التحدي الطائش؛ وبريطانيا تزن اليوم أقدار الحرب والنضال بميزان جديد لم تستقر عوامله بعد؛ وقد يمضي وقت آخر قبل أن تنزل بريطانيا إلى ميدان العمل الحاسم
قد تستطيع الفاشستية الجامحة في نشوة ظفرها المزعوم، أن تزعج أوربا وإنكلترا، مدى حين بمشاريعها ووعيدها؛ ولكن الفاشستية تخطئ بلا ريب إذا هي اعتقدت أن الظفر ميسور في ميادين أخرى غير الحبشة، وأنها تستطيع في مكان آخر من أوربا، أو أفريقية، أن تستعمل وسائلها العسكرية المجرمة في تحقيق أحلامها الرومانية، دون عقاب أو وازع؛ وهنالك حقيقة لا ريب فيها، وهي أن الفاشستية قد بثت بمسلكها وغرورها ووعيدها مخاوف ما كان أغناها عن بثها، وأنها سترغم بلا ريب، في القريب العاجل، على خوض الصراع الحاسم؛ وليس من ريب في أنها ستسحق في هذا الصراع، كما سحقت كل عسكرية أوربية جامحة من قبلها.