ولما أردت أن أناقش صاحب المؤيد في ذلك قطع علي حبل المناقشة بلهجة البات الجازم. وقد بين السبب في هذا البت بأن الخديو قال له: إن شيوخ الأزهر أنفسهم كلموه في هذه القضية فوعدهم خيراً، فلم يبق مناص من امتثال أمره
ثم قلت للإخوان الثلاثة: هذا ما جرى، وكنت أحب أن يصلني خبر حادثتكم هذه قبل ما بلغت من أمر الخديو فيكون للحمامة إذ ذاك شأن في وصف الحادثة والتعليق عليها. وما يدرينا أن يكون الشيوخ الذين كلموا الخديو في الأمر إنما حسبوا حساب (الحمامة) التي اشتهرت بصدق ورايتها، وإخلاصها في نصيحتها، فلجئوا إلى الخديو. وبهذه الصورة قطعوا عليها طريق الكلام في الحادثة
ثم أفضتُ مع (إخوان الصفا) في أحاديث أخر. حتى وصلنا إلى ذكر ما أنشره في (المؤيد) من مقالات (أمالي أدب) فأنشدني الأستاذ طه القصيدة التي اشتهرت باسم (اليتيمة) ومطلعها:
(هل بالطلول لسائلٍ ردُّ ... أم هل لها بتكلمٍ عهدُ)
وكنت نشرت في (أماليَّ) أبياتاً من تلك القصيدة. فقال الأستاذ (طه) إن معظم القصيدة موجود في مجموعة رسائل مخطوطة في دار الكتب المصرية. وفي ثاني يوم أرسلها إلي بخط بعض إخوانه، وبقيت عندي حتى غلبني عليها أحد الأصدقاء قبل بضع سنين
وفي تلك الأثناء زارني صديقي الأستاذ (محمد الهراوي) وقال لي: يحسن أن تزور معالي (حسين رشدي باشا). وكان مديراً للأوقاف العمومية في ذلك العهد. ولم أكن اجتمعت به من قبل، أما الهراوي فقد كان على اتصال به
فزرناه في دار سكنه في (المنيرة) وهي الدار التي آلت ملكيتها بعد ذلك إلى الشيخ علي يوسف
ولما دنونا من بابها رأينا عربة فخمة يقودها فرسان مطهمان. فقال لي رفيقي: يظهر أن أحد أمراء العائلة الخديوية في زيارة
الباشا وهكذا كان: فإننا لم نكد نطأ البساط حتى خاطبنا الباشا مشيراً إلى صدر المجلس حيث زائره الكريم - قائلاً: