للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

سمو البرنس فؤاد

فدنونا وسلمنا. ولم نكد نأخذ مجالسنا حتى التفت الباشا إلى الأمير وجعل يكلمه بالفرنسية. وكان في خلال الحديث يلتفت إلي، فعلمت أنه يقدمني إلى سموه، وبالطبع يكون قد قال له: إنني عالم سوري وإنني أحرر في (المؤيد) رسائل حمامة الأزهر، وإنني أسلك في نقد العادات والأخلاق وطرائق التعليم الدينية الأزهرية مسلك المرحوم الشيخ محمد عبده. عرفت هذا من قول صاحب السمو للباشا بالفرنسية:

سل الشيخ ما هو رأيه في الكرة الأرضية؟ هل هي حقيقة محمولة على قرن ثور كما يقولون؟

فكان لهذا السؤال وميض من الابتسام على شفاهنا جميعاً وشعرنا بشيء من الأنس والانبساط أفاضته علينا كلمة صاحب السمو بعد انقباض الاحتشام الذي غشينا من مهابته

فقلت للباشا قل لأميرنا المحبوب: إنه لولا الثور (أبيس) وبقية ثيران الدنيا التي كان يمثلها ذلك الثور في هياكل مصر - لما وجد في الدنيا إنتاج زراعي، ولما قام عمران في العالم. فلا جرم أن كانت الدنيا القديمة محمولةً على قرن الثور وحده وأن يكون أهلها عيالاً عليه: فهو الذي (يحمل) عبء الاهتمام بأمرهم، والسعي في تموينهم، وتدبير الأقوات لهم

ففكرة حمل الدنيا على قرن الثور إذن فكرة شعرية خيالية سرت إلينا من المصريين القدماء بشكل جديّ واقعي

فبرقت أسارير صاحب السمو من هذا الجواب. ثم أبدى أسفه الشديد لكثرة ما تسرب إلى الدين الإسلامي من تقاليد الأمم القديمة ومزاعمها، حتى أصبحت تلك المزاعم كأنها جزء من تعاليم الإسلام. ثم ذكر لنا سموه أمراً أستغربه جداً: وهو أن بعض علماء مراكش وفَدَ على القاهرة فسأله بعض من سلَّم عليه من زملائه عما إذا كان سفره من المغرب الأقصى إلى القطر المصري كان بطريق البر أو البحر. وقال سموه: إن العزلة التي تجعل صاحبها يجهل أبسط شأن من شؤون عصره لهي عزلة ضارة تجب مقاومتها والخروج من ظلمتها

وقد كان كلام سموّه يشفُّ عن مبلغ غيرته على الإسلام، وحرصه على تصفية علومه، وعلى الأزهر وحرصه على ترقية شؤونه

رحم الله فقيدنا العظيم رحمة واسعة، وجعل لنا من ابنه جلالة (فاروق الأول) خليفة صالحاً

<<  <  ج:
ص:  >  >>