وعلى خزان أسوان سار مطمئناً، وهو يعجب بما يرى؛ عن يمينه طود من الماء، وعن يساره رشاش الماء المنسكب، أمواجاً تتلاطم، كأنها في مضمار، أيهما يبلغ الغاية أولاً؟ وعلى سور الخزان المبني من حجر الجرانيت، وقف يتكئ على حاجز قصير هناك يطل منه على الماء يتدفق من فتحات الخزان حياة، والخواطر تتدفق في أعماقه شجواً حزيناً يبعث الألم. وأخذت الفتى روعة ما رأى وأحس كأن الماء الذي يعترك في أسفل يجذبه ليحمله إلى من يحب. ورأى الرشاش المتطاير تنعكس عليه أشعة الشمس فترسم عليه قوساً ذات ألوان جميلة، كأن عروساً في ثوب زفاف تتراءى له بين مرآتين، ولكنه لم ير فيها إلا العروس التي فقد، تبتعد بها الأقدار في صحبة رجل غريب. ورأى الماء يتسرب من بين الصخور كما يتسلل القدر في تأريخ إنسان ليضع فيه مأساة أو يصنع حادثة
ومضى الفتى يتخيل فيمعن في الخيال، والماء تحت عينيه يموج ويضطرب ويزأر متدفقاً مكتسحاً في بطش وعنفوان؛ فما يرى الفتى بين الموج والزبد إلاّ صورة واحدة: صورة الفتاة التي بعد بها عنه عنف القدر وسلطان التقاليد
ورجع الأب ليصحب ولده فيعودا، ولكنه انطلق يعدو حين رأى أبنه يوشك أن يتردّى. فما بلغ إلاّ ليشهد آخر مأساة للشاب تتلقفه الأمواج
يا يد الشيخ أنت التي دفعتٍه إلى هذه الهوة فما كان لك أن تنقذيه. . .!
يا تجارب الشيخوخة كم أنت قاسية! لقد أردتِ أن تزرعي السعادة فجنيت الشقاء. لقد كنت كبيرة فلم تفهمي لغة الشباب، وكنت مادية فلم تفهمي حديث الروح، وكنت صلبة فلم تعقلي كلمات القلب. هل أنت يا تجارب الشيخوخة إلاّ خرف الهرَم ونكسة الإنسانية. .؟
ألا ليت الشباب وليت الهَرَم. . . ولكن ماذا يجدي، ماذا يجدي؟ ليت شعري هل قُدِّر للإنسانية ألا تبلغُ سعادتها إلا على جسر من الضحايا؟ فيا ويح الشباب ويا ويح الهرم!