عروش الأدب وقد أمن بعضهم بعضاً وخافهم الناشئون، فأنت إذن تعيد الخصومة بين من يسمون الشيوخ ومن يسمون الشباب جذعه. وأظنك توافقني على أن التفكير في هذه الخصومة لا يخلو من بعض الحزن. فقوام هذه الخصومة فيما أعلم أن الأدباء الناشئين ضعاف أثِرُون عجلون، يخيل اليهم أن النقد يمحوهم من سجل الأدباء محواً، مع أن النقد يثبتهم فيه إثباتاً. يريدون أن يبلغوا بالجهد اليسير ما بلغه أسلافهم بالمطاولة والمحاولة واحتمال الأذى وكثرة القراءة والدرس، ويريدون أن يتم لهم ذلك ما بين طرفة عين وانتباهتها كما يقول القائل؛ وفيهم كبرياء لا تخلو من سخف، ومن سخف يذكر بأخلاق الأطفال؛ فهم إن كتبوا رأوا لأنفسهم العصمة، ولم ينتظروا من النقاد إلا ثناء وحمداً. فأن أدركهم بعض النقاد قالوا: حسد وتكبر واضطهاد وأثرة وتثبيط للهمم. وفيهم غرور يخيل إلى كل واحد منهم أنه ممتاز من أترابه جميعاً. ومهما أنس فلم أنسى كاتباً أضاع مودة وصداقة حباً وعطفاً لا لشيء إلا لأني جمعت بينه وبين كاتب من معاصريه في فصل واحد، وكان ينبغي أن يمتاز في رأيه، وإلا لأني دعوته إلى أن يستزيد من القراءة فعد هذا إسرافاً واعتداء.
أمام هذا الجيل الرخو من الأدباء الناشئين يضيق الناقد المخلص بالنقد ويزهد فيه ويصد عنه صدوداً في بعض الأحيان، ولكنه لا يلبث أن يرى حق الأدب عليه فيستقبل من أمره ما أستدبر، ويثني على قوم وهو يعلم أن ثناءه سيملؤهم غروراً وسيخرجهم على أطوارهم، ويعيب قوماً وهو يعلم أن عيبه إياهم سيدفعهم إلى اليأس إن كانوا أخياراً، وسيدفعهم إلى القحة إن كانوا أشراراً.
ونحن برغم هذا بل من أجل هذا نمضي في طريقنا لا نقف كما يظن بعض الناس، ولا نرجع كما تظن أنت أيها الصديق، لأنك في أكبر الظن قد لا تتابعنا أحياناً، وقد تطلب منا ما نطلب من أنفسنا وتحول ظروف حياتنا بيننا وبينه.
أما بعد، فأني أحب أن أؤكد لك أني أنا خاصة ما زلت عند رأيك القديم في، صريحاً إلى أقصى حدود الصراحة، جريئاً إلى أقصى حدود الجرأة، مستعداً في هذا العالم إلى أن استأنف ما فعلت منذ عشر سنين، وإلى أن أستأنف ما فعلت منذ أربع سنين. وإني لشديد الأسف أن كانت ثقة الأستاذ كراتشكوفسكي بي أقوى وأشد من ثقتك أنت، فأنه لم يتردد في