والحرمان التي تحياها. والشباب هو زمن الفورة والاضطرام في العواطف، والحرمان والعزلة يجعلان العواطف الطبيعية أشد استعداداً للاضطرام السريع والتسعر لأقل اتصال. وهل طبيعي ألا تعرف الحياة فتاة في عنفوان صباها إلا من النافذة وإلا من كتاب - أو رواية - تقرأه وهي في الشرفة؟. ماذا تعرف عن هذه الحياة؟. وماذا خبرت من أحوال الناس وأساليبهم؟. كيف تستطيع أن تقاوم ما تهدد به؟ بل كيف تعرف أنها مهددة بشيء حتى تفكر في المقاومة؟؟ هذه هي في الشرفة واقفة تنظر من هذا الارتفاع الذي لا يمكن أن تستبين منه شيئاً. . . لماذا تلبس هذا الثوب الأرجواني الأنيق الذي يبدي للعين خطوط جسمها جميعاً وانحناءاته كلها ويجلو مفاتنها ولا يحجب شيئاً منها؟. . أليست تلبسه لتبدو فيه كأجمل ما تكون وفي أفتن صورة؟. . تعرض محاسنها هذا العرض البديع ولا تجد في مكانها العالي هذا من يقدرها!!. والناس لا يشعرون بالحرمان منها لأن غيرها في الدنيا كثيرات. . . ولكن هي. . . هي. . . أليس المعقول - وهي تنظر إلى الرائحين والرائحات والغادين والغاديات - أن تشعر شعوراً حاداً بما هو مكتوب عليها من الحرمان؟. . ومع هذا الشعور المستمر ماذا تقدر أن تكون النتيجة إذا أتفق أن اتصلت أسبابها أو هي اتصال بأسباب رجل يصفو بوده إليها وتأنس هي منه هذا الميل؟. يخفق قلبها على الرغم منها. . وتلفي نفسها معنية بهذا الرجل الذي يوليها العناية التي حرمتها في حياتها، ويظهر لها الحب الذي لا يستطيع أن يظهره لها أخوها أو أبوها لأنه من نوع آخر، ولا يغني عنه حب الأم والأخت ومن إليهما. . وتشغل خواطرها بالتفكير في هذا الإنسان لا يفتأ ينظر إليها وفي عينيه نور الحب. . . وقد يكون كاذباً أو مخادعاً، ولكنها لا تستطيع أن تعرف هذا لأنها غريرة لم تجرب الناس ولم تعرف الحياة إلا من نافذة بيتها. . . فتراها تبدو في حفل من الزينة - ولم تكن تعني بأمر زينتها كل هذه العناية - وتكون واقفة مع صاحبها لها تحدثها فتتحول عينها إليك وتخالسك النظر. . . ويكون الكلام عادياً جداً لا يستدعي كل هذه الحركة ولا يستوجب هذه الضحكات المتوالية التي يميل لها الجسم كل مميل. . . ولا تزال وهي تتكلم تهز رأسها وتسوي شعرها بيديها وتخرج وتدخل ولا شيء هنالك تدخل له، ولكنه الشعور المتقد القلق، والعواطف المشبوبة لأنها محبوسة تريد أن تنفجر من طوال الكبت. . . وهذا الدبوس التي تشيله وتحطه لم يكن قلقاً في موضعه من