شعرها ولكن نفسها هي القلقة، فيدها لا تهدأ ولا تسكن ولا تستطيع أن تكف عن الحركة. . . وهذا الثوب الجديد الذي لم يفصل والذي تنشره في الشرفة لزائرتها كان في وسعها أن تعرضه عليها في الغرفة ولكنها حركة عصبية تشي بالاضطراب النفسي. . . وهذا النبات الذي اتصل بعضه ببعض على جانب الشرفة والذي يحجب من فيها عن عيون الجيران هل تظنه أنه يحتاج إلى تسوية؟. لا. ولكن يدها مع ذلك لا تزال وأنت ناظر إليها تعبث بأوراقه النضيرة وقد تنظر إليك عن عرض وهي تفعل ذلك. . . ولا تحسب أنها تغازلك فما تفعل شيئاً من ذلك ولكنه لا يسعها إلا أن تنظر إليك خلسة من حين إلى حين، لأنه يسرها أن تراك ناظراً إليها وأن تعلم أنك مشغول بها حتى ولو أبدت الضجر من ذلك أحياناً. وإذا لم ينظر الرجل إلى المرأة فماذا يكون مصيرها؟. وماذا عسى أن تصنع بنفسها!. .
وهي تغيب عنك وتحتجب - يوماً كاملاً أو ساعات - لظنها أن احتجابها يسعر النار التي في صدرك ويرقى بألسنة اللهيب إلى السماء. وهي تقضي على نفسها بهذا الاحتجاب وخواطرها كلها معك وان كانت تكلم أمها وأخاها وأباها كأنما خلت بها الملهيات الحاضرة التافهة عن كل ذكر لك. وليست المرأة بشيء إذا لم تكن قادرة على هذه المخادعة البريئة. والشرفة الأخرى ليست في جانب غير هذا من البيت، بل الاثنتان على صف واحد، وليست إحداهما بأوسع أو آنق أو أحلى، ولكنها تنتقل من هذه إلى تلك لغير حكمة ظاهرة، إلا أنها تريد أن تفهمك أنها لا تحب أن تراها ولا ترتاح لطول تحديقك فيها. . وليس هذا بصحيح، ولكن المرأة هكذا أبدا. . . وتجلس في الشرفة على الكرسي وفي يدها الكتاب وتتعمد أن توليك ظهرها وأن تجعل وجهها إلى ناحية أخرى لتوهمك أنها غير راغبة فيما ترميها به من النظرات. . . ولا تقرأ شيئاً لأنها لا تقلب الصفحة إذ كان عقلها مشغولاً بك وهل لا تزال واقفاً؟. وهل تراك تنظر إلى غيرها؟. وهل أنت ضاحك أو عابس؟. وماذا كان وقع هذا الأعراض في نفسك؟. هل آلمك جداً؟. هل أغضبك؟. أو زادك تعلقاً بها وإقبالاً عليها؟. وتمد ساقها وتهزها لتلفت نظرك إلى جمالها. وتنهض واقفة وتنحني لتضع الكتاب على كرسي ثم تخرج من الشرفة - لا لحاجة - بل لتريك خط ظهرها وبراعته وفتنته. . . وترفع رأسها قليلاً - وعلى مهل - حتى تحاذي عينها حافة الشرفة لتنظر أباق