الشهرة الواسعة التي كانت تنتظره على شواطئ صقلية في البحر الأبيض المتوسط. وتزوج قبل أن يبلغ الثالثة والعشرين لُدْميلا فودورفتشي وكانت مسلولة حتى كان لا بد من حملها في كرسّيها إلى حيث يعقد زواجها. وتبع هذا الزواج أربع سنوات مضت عليهما في أبأس حال وأكثرها استدراراً للرحمة، قضياها يجر بعضها بعضاً عبر أوربا يبحثان عسى أن يجدا لذات الصدر دواء. وفي أثناء ذلك، وفي أثناء تمريضه هذه الزوجة العليلة المسكينة تمريض عطوف حنان توتر عصبه وثقل قلبه كان يختطف سويعات يجري فيها تجارب يدرس بها تنشؤ بق النبات والاسفنجيات والدود والعقارب، يريد بذلك أن يقع على اكتشاف يهز الناس فتأتيه من ورائه أستاذية تدر عليه مالاً كثيراً. وهمس لنفسه وهو يكتب رسالاته العلمية، وهمس لها وهو يبعث بالرسل ويدفع بالوسائط ويختط الخطط ويحاور ويداور في طلب الوظيفة، قال:(إن البقاء ليس للأصلح؛ وليس هو للأكثر طيبة وخيراً، وإنما هو للأشد مكراً وللأنكى خبثاً وماتت لُدْميلا. وكانت قضت أيامها الأخيرة تتخلص من آلامها بالمرفين، فأقتبس زوجها عادة المرفين منها، ولما نفض تراب قبرها عن يديه قام عنه هائماً يضرب في الأرض، وأخترق إسبانيا متوجهاً إلى جنيفا وهو يزيد كل يوم مقدار العقار الذي يتعاطاه، وساءت عيناه أثناء ذلك وآلمته ألماً كبيراً. وما الباحث في الطبيعة إذا لم يكن له عينان تبصران؟ وصرخ: (ما الفائدة من هذا العيش!) وأخذ جرعة كبيرة من المرفين أيقن أنها لا بد قاتلته، ولكنها كانت أكبر مما تحملته المعدة فقاءها. وصرخ مرة أخرى:(ما نفع هذه الحياة!) وأستحم استحمامة ساخنة وخرج منها يتعرض عامداً إلى الهواء البارد الطلق عسى أن تصيبه من ذلك نيمونيا فتذهب بحياته، ولكن لم يظهر أن الآلهة الحكيمة المزاحة التي تقوم بتجهيز البحاث لهذا الكوكب شاءت له غير الذي شاءه لنفسه، أبقت عليه لحاجة في نفسها. وفي هذه الليلة عينها ساقته رجلاه إلى حيث أبصر طائفة من الحشرات كالغمام تدور وتحوم حول لهب مصباح. فأستوقفه هذا المنظر ووقف يتأمله بتعجب ظاهر وفم مفغور. صاح لنفسه:(إن هذه الحشرات لا تعيش إلا ساعات قليلة، فليت شعري كيف يستفاد بها لدرس نظرية بقاء الأصلح؟) وبهذا عاد فوصل من جديد تجاربه المقطوعة.
حزن متشينيكوف على زوجه حزناً شديداً ووجد عليها وجداً مبرحا، ولكن الأيام كانت