طموحه؛ ثم ها هو ذاك وقد سلخ أربعا وثلاثين يتلفت حواليه فما تزيده النظرة إلا شعورا بالوحدة واليتم والغربة. . . ولكن في أعراقه يفور دم العروبة، وفي أعصابه تنبض أماني الشباب، وفي نفسه تهمس ألحان الشعر.
(ستكون أميراً يا أبا الطيب، فأجمع عزيمتك على الجهاد حتى تبلغ، فتنال منالك من (الشامتين)، وتديل للعربية من (دولة الخدم). . .)
وأنطلق الشاعر المتوثب يطوي البيداء مطوياً على هم وألم، وفي نفسه أحقاد تثور، وأماني تتضطرع. . . حتى انتهى إلى بني حمدان.
هنا دولة العرب، وهنا عز العروبة، وهنا تستقر الأماني لتستجم للجهاد. وأجتمع الشاعر العربي الثائر، بالمجاهد العربي الظافر؛ وانعقدت أواصر الود بين أبي الطيب المتنبي وسيف الدولة بن حمدان. وآثره الأمير وأدناه وفتح له بابه. . . فإذا هو منه كبعض أهله. . . وتراءيا قلباً لقلب، فما بينهما سر ولا دونهما حجاب؛ وتكاشفا رأياً لرأي، فما هو إلا فكرة واحدة تسعى إلى هدف؛ وَتَنوَّرَا الأمل المشترك من بعيد، فإذا هما على الخلوة يتذاكران الرأي، ويتحايلان للظفر.
وصار شاعر الأمير صفيه وخليله وصاحب سره، يلقاه أيان يريد بلا إذن ولا ميعاد. . . وعرفه حاجب الأمير وأهله، وعرفته (خولة) بنت حمدان، فعرفت رجلها وعرف. . .
وقال أبو الطيب:(لله أنتِ يا أبنة المجد! لعينيك كنت أطوي البيد وتتقاذفني الفلوات!)
وقالت خولة:(ومن أجلك أنت يا أبا الطيب، كانت تخيل لي الأحلام ما ليس من دنياي!)
وطوت آخر كلماتها في ابتسامة، وأطبق الشاعر شفتيه على كلام؛ وقالت له عيناها. . . وقالت له عيناه. . .
ودخل الشاعر في تأريخ جديد. . .
وقال المتنبي لسيف الدولة:(أتراك يا أميري تعرف من أمري ما يقنعك بالرضا. . .؟) فوعده سيف الدولة أن يزوجه خولة. . .
وراح الشاعر يحلم. . . ثم عاد يحاول أن يلقى صاحبته فيقول لها وتقول له، ولكن الباب كان محكم الغلق؛ فلوى وجهه عن بابها وفي نفسه شوقٌ وحنين، ولكنه استمر يحلم. . .!
ومضى ينشد أميره من شعره. . . أذلك شعر المتنبي الثائر المتكبر ربيب الوحشة وطريد