الفلوات؟ أم هو الفن النسوي البديع يهيئ للشاعر مادته ويصنع له بيانه. . .؟ أسمعْتَ وسوسة القُبَل. . .؟
وسمع سيف الدولة وطرب، وسمع جلساؤه فعرفوا الجرس والرنين؛ وهمس شاعر في أذن صاحبه، ومال صديق على من يليه، وقال الخامس للسادس: (إن شاعر الأمير لعاشق!) وامتدت للكلام أطراف وأذناب. . .
وراح الشاعر ثانية يحاول أن يلقى صاحبته، فإذا من دون الباب بواب. . . وعاد إلى الأمير يستنجزه الوعد، فإذا الأمير في شغل عنه بالروم وحرب الروم، فهو يستمهله إلى حين. . . ورجع إلى نفسه يستلهمها الصبر فلا تلهمه، ويستعينها على ما يجد فلا تعينه. . . ونظر حواليه فإذا عيون تنظر، وإذا شفاه تبتسم، وإذا ألسنة في أفواه تلجلج بكلام. . .
كم يلقى العاشق من نأى الحبيب والدار قريب. . .؟
وقال الرجل لنفسه: (ما أنا والأمير وأخت الأمير: إن كانت لي فما يحول بيني وبينها؟ وإن كانت عدة بلا وفاء فما مُقامي؟)
وقالت له نفسه: (هون عليك يا صاحبي، لا حبٌ بلا وجد؛ إلا أن تكون نارٌ بلا إحراق!)
فعاد الشاعر ينتظر ويحلم، ولكن الأيام لا تنتظر، ومضى شهر في أذيال شهر، وتصرم عام وراء عام، والشاعر العاشق على صبره يرجو ويتقي. . .
وقال (أبو الفراس الحمداني) الشاعر لصاحبه: ما هذا الرجل بيني وبين خولة ونحن أولاد عمومة؟ أما كفاه مجلسه من الأمير؟ أبعدنا وأدناه، وحرمنا وأعطاه، وأسكتنا وأستمع أليه؟ أفيطمع بعد ذلك في نسب الأمير وصهره. . .؟)
وجاءت مقالته تسعى إلى المتنبي فنالت منه. . .!
(أبو فراس يطمع في خولة؟ ولكنها مسماةٌ علىّ؛ أيقف بين الأمير والوفاء بما وعد أن أبا فراس من عمومته. . .؟ ومن أكون إن كان ذلك موضعي من نفس الأمير. . .؟)
فعادت نفسه تقول: (بعض هذا يا صاحبي، إن الحب حيلة الحياة، فلست تبلغ منه بالكبرياء ما تبلغ منه بالصبر والحيلة. . .!)
ولكن العاشق المتكبر لم يستمع هذه المرة إلى نفسه وهواه؛ لقد غلبته الكبرياء فكفر بالحب؛ وهل كان للمتنبي أن يخضع للحب أو يتضرع. . .؟