- قال: نعم يا بني. هذا هو السر الذي سأفضي به إليك. . . نعم نحن. . . نحن أصحاب هذه البلاد، نحن بنينا هذه القصور التي كانت لنا فصارت لعدونا؛ نحن رفعنا هذه المآذن التي كان يرن فيها صوت المؤذن، فصار يقرع فيها الناقوس؛ نحن أنشأنا هذه المساجد التي كان يقوم فيها المسلمون صفاً بين يدي الله، وأمامهم الأئمة يتلون في المحاريب كلام الله فصارت كنائس يقوم فيها القسس والرهبان يرتلون فيها الإنجيل. . .
نعم يا بني. . . نحن العرب المسلمين، لنا في كل بقعة من بقاع أسبانيا أثر، وتحت كل شبر منها رفات جد من أجدادنا، أو شهيد من شهدائنا. نعم. . . نحن بنينا هذه المدن، نحن أنشأنا هذه الجسور، نحن مهدنا هذه الطرق، نحن شققنا هذه الترع، نحن زرعنا هذه الأشجار. . .
ولكن منذ أربعين سنة. . . أسامع أنت؟ منذ أربعين سنة خدع الملك البائس، أبو عبد الله الصغير آخر ملكونا في هذه الديار بوعود الأسبان وعهودهم فسلمهم مفاتيح غرناطة، وأباحهم حمى أمته ومدافن أجداده، وأخذ طريقه إلى بر المغرب، ليموت هنالك وحيداً فريداً شريداً طريداً، وكانوا قد تعهدوا لنا بالحرية والعدل والاستقلال. فلما ملكوا خانوا عهودهم كلها، فأنشئوا ديوان التفتيش، فأدخلنا في النصرانية قسراً، وأجبرنا على ترك لغتنا إجباراً، وأخذ منا أولادنا لينشئهم على النصرانية. فذلك سر ما ترى من استخفائنا في العبادة، وحزننا على ما نرى من امتهان ديننا، وتكفير أولادنا.
أربعون سنة يا بني ونحن صابرون على هذا العذاب الذي لا تحمله جلاميد الصخر ننتظر فرج الله. لا نيأس لأن اليأس محرم في ديننا، دين القوة والصبر والجهاد.
هذا هو السر يا بني فأكتمه وأعلم أن حياة أبيك معلقة بشفتيك؛ ولست والله أخشى الموت، أو أكره لقاء الله، ولكني أحب أن أبقى حتى أعلمك لغتك ودينك، وأنقذك من ظلام الكفر إلى نور الأيمان. فقم الآن إلى فراشك يا بني.
صرت من بعد كلما رأيت شُرفُ الحمراء، أو مآذن غرناطة، تعروني هزة عنيفة، وأحس