وأستمر ذلك مدة طويلة، فقال لي أبي ذات يوم: إني أحس يا بني كأن أجلي قد دنا، وإني لأهوى الشهادة على أيدي هؤلاء، لعل الله يرزقني الجنة، فأفوز فوزاً عظيما؛ ولم يبق لي مأرب في الدنيا بعد أن أخرجتك من ظلمة الكفر وحملتك الأمانة الكبرى التي كدت أهوى تحت أثقالها، فإذا أصابني أمر فأطع عمك هذا ولا تخالفه في شيء
ومرت على ذلك أيام. وكانت ليلة سوداء من ليالي السَّرار، وإذا بعمي هذا يدعوني ويأمرني أن أذهب معه، فقد يسر الله لنا سبيل الفرار إلى عدوة المغرب، بلد المسلمين؛ فأقول له: وأبي وأمي؟. . .
فيعنف علي ويشدني من يدي، ويقول لي: ألم يأمرك أبوك بطاعتي؟
فأمضي معه صاغراً كارهاً، حتى إذا ابتعدنا عن المدينة وشملنا الظلام، قال لي:
- أصبر يا بني. . . فقد كتب الله لوالديك المؤمنين السعادة على يد ديوان التفتيش. . . .