وبدا للملك أن يرسل رسله إلى دلفي يستنبئون كهنة أبوللو عما سيكون من شأن الغلام، وما يضمره له الغيب في صفحته
وا أسفاه! لقد عاد الرسل من دلفي بأشأم نبوءة!!
(إذا عاش هذا الغلام فأنه يقتل أباه، ويتزوج من أمه، ويجر على شعبه شقاء ما ينتهي حتى تفنى ذريته!!)
يا للهول! لقد سمع الملك إلى النبوءة؛ وكأنما انطفأت في عينه شمس السعادة المشرقة، وكأنما ران على قلبه من الهم ما يضنيه، فما يدري ماذا يصنع!؟
أما الملكة، فيالها من شقية مرَزَّأة! لقد أحست، مذ عرفت النبوءة، كأنما قد ولدته أفعوانا أرقم، كهذه التنانين الخرافية التي تمتلئ بها أساطير قومها!. . .
- ٣ -
وأسقط في يد الملك، ثم أعتزم أن يقتل الغلام، فعسى أن تبدله الآلهة خيراً منه:(إن نبوءات دلفي لا تكذب ولا تطيش، ومادام هذا الولد سيقتلني إذ عاش، فأني قاتله، ومجنب أمه الفضيحة، وشعبي الرزايا والأشجان!)
ودعا إليه واحداً من خدمه المخلصين فأسر إليه بكلمات. . . وأحتمل الخادم الغلام ومضى به إلى البرية ليذبحه. . .
ونظر الرجل في وجه الطفل فرأى البراءة والطهارة والنقاء، ورأى عينين صافيتان تطل منهما السماء بما فيها من آلهة. . . كأنما تأمره ألا يفعل!. . .
ورأى شفتين رقيقتين كأنما تكلمانه بلغة علوية في ألفاظ كالنسيم الحلو لا تبين، ولكن تغمغم. . . ولا تسمع ولكن تفهم. . . تسترحمانه!
ورأى أذنين ترتعشان كالدينارين، كأنما تقولان له:(أيها الرجل لقد سمعنا ما اسر إليك الملك فحذار أن تقتل هذا الطفل صاحبنا!. . .)
ثم نظر الرجل في السماء فرأى سحاباً رقيقاً ممزقاً تصبغه الشمس بأرجوان خفيف كالدم المطلول، فيجفل قلبه، وتراع نفسه ويقسم ألا يقتل الولد!
ولكن ماذا يقول للملك؟ إذن: (لأربط من عقبيه في هذا الفرع الغليظ من الشجرة، ولأتركه للآلهة تصنع به ما تشاء. . . فإذا حق عليه القتل، سعت إليه وحوش البرية أو عقبان