السماء فاغتذت به. . . وإلا، فليحي حياته التي تريدها الآلهة. . . وليكن بعد ذلك ما يكون!)
- ٤ -
وبكى الطفل، وملأ البرية بصراخه المحزن، ورددت الآكام ومشارف الجبال عويله المؤلم، ثم مر به راع كان يتفقد أحد نعاجه الضالة فرثى له، وتقدم فحل الرباط عن عقبيه، وشدهه أن يجدهما متورمين مما ألم بهما، فسماه (أوديبوس!)
وأرتحل به إلى كورنثه، فرآه معه من نم عنه إلى الملك الذي كانت امرأته عقيما لا تلد، فحبب إلى يوليبوس أن يرى الطفل عسى أن يتخذه ولداً. فلما أحضر أليه أنس في عينيه بريقاً عجيباً وفي جبينه لآلاء قويا، وفي روحه الصغيرة روحا كبيراً يكاد يملأ الأكوان. . . فقال للملكة:(إن لم يكن هذا الطفل ابن ملك، فما أحسبه خلق إلا ليكون ملكا. . . ألا نتخذه ولي عهد؟)
وشب أوديبوس، أو أوديب، وأحبه الملك، وغمرته الملكة بإعزازها، وكان هو يهتف بالملك (أي أبي) وبالملكة (يا أمي!) وهو لا يعرف مما أخفياه عنه شيئاً!
- ٥ -
أما لايوس، ملك طيبة، فأنه تنفس الصعداء لما حسب من قتل الطفل، وتنفست الملكة الصعداء كذلك. . . أما الأقدار، فما برحت تسخر منهما، وتضحك ملء أشداقها عليهما. . . وما برحت كذلك تعد العدة للمستقبل الرهيب!
- ٦ -
وترعرع أوديبوس، ونشأ مفتول العضل هرقلي الصدر، قويم الأخلاق، فيه نخوة الملك، ورفعة العرش، إلى كرم أرومة وطيب محتد.
وحُم القضاء. . . وأقيم في القصر الملكي حفل فخم، دعي إليه سادات طيبة وشبابها. . . وقدمت الآكال والأشربات. . . وققهت أباريق الخمر في الكؤوس. . . وفي الرؤوس، وذهبت أشوابها بوقار الشباب فتحرش بعضهم بأوديب، الذي لم يكن ممن تأسر الخمر لبه، فرده أوديب في حزم، وفي أدب؛ ولكن الشاب خاشن ولي العهد، ثم لمزه، وهو لا يدري ما