للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تُشب لمقرورين يصطليانها ... وبات على النار الندى والمحلَّق

رضيعي لبان ثدي أم تحالفا ... بأسحمَ داج عوضُ لا نتفرق

وهو يريد من كل هذا أن ينزه رسالة الشعر عن النفاق وكذب التخيل والاختلاق. (إذ لا ينبغي للشاعر أن يأوي إلى ما يدعى نفاقاً فان ذلك إنما يستعمله المموهون من الشعراء، أعني الذين يرون أنهم شعراء وليسوا بشعراء؛ وأما الشعراء بالحقيقة فلا يستعملونه إلا عندما يريدون أن يقابلوا به استعمال شعراء الزور له، وأما إذا قابلوا الشعراء المجيدين فلا يستعملونه أصلاً. . على أن كثيراً من الأقاويل الشعرية تكون جودتها في المحاكاة البسيطة)

وقد تكون المحاكاة بسيطة مجردة، وقد تكون مركبة تأتي بطريقة المقابلة. إذا أراد أن يحاكي السعادة وأهلها أبتدأ أولاً بمحاكاة الشقاوة وأهلها ثم أنتقل إلى محاكاة أهل السعادة، والمحاكاة الأولى هي الغالبة على شعر العرب

كقول أبي الطيب:

كم زورة لك في الأعراب خافية ... أدهى - وقد رقدوا - من زورة الذيب

فهذا البيت من نوع المحاكاة الأولى

وقوله:

أزورهم وسواد الليل يشفع لي ... وأنثني وبياض الصبحُ يغري بي

فهذا من نوع المحاكاة الثانية المبنية على طريقة المقابلة

ولقد تكون المحاكاة وليدة الانفعالات النفسية كانفعالات الخوف والرحمة والحزن، وهي تكون بذكر المصائب والرزايا النازلة بالناس. ويجب على الشاعر أن يلزم في تخيلاته ومحاكاته الأشياء التي جرت العادة باستعمالها في التشبيه، وألا يتعدى في ذلك طريقة الشعر.

أما هذه المحاكاة فهي عنده على أنواع. منها محاكاة لأشياء محسوسة بأشياء محسوسة من شأنها أن توقع الشك لمن ينظر إليها؛ وكلما كانت هذه المتوهمات أقرب إلى وقوع الشك كانت أتم تشبيهاً. وجل تشبيهات العرب راجعة إلى هذا الموضع. وكلما كانت أبعد من وقوع الشك كانت أنقص تشبيهاً. وهذه المحاكاة البعيدة التي يجب أن تطرح كقول امرئ القيس في الفرس:

<<  <  ج:
ص:  >  >>