استطعنا أن ندرك بسهولة سبباً من الأسباب القوية في خمود الحركة الأدبية في المغرب. أما ما نسمع فيه الحين بعد الحين من طنطنة أدبية فيرجع الفضل فيه إلى الصحف الشرقية، ولمجلة (الرسالة) الحظ الأوفر في ذلك.
٣ - المشارع الأدبية
لسنا نعني بالمشارع الأدبية سوى تلك الحفلات التي يقيمها جماعة من الأدباء لتكون مسرحاً لمباراتهم الأدبية وحافزاً لهم على القول والكتابة؛ وهي من دواعي النشاط الأدبي والإنتاج الفكري ورثها العرب الخلف عن سلفهم الذين كانوا يقيمون أسواقاً سنوية لقرض الشعر وإنشاده، فقد حدثنا الرواة كثيراً عن أسواق العرب في الجاهلية وما أنشد فيها من شعر وأدب. ولقد اتبع هذه السنة أدباء العربية اليوم فأخذوا يقيمون الحفلات المتوالية لبعث الحركة الأدبية وإحيائها؛ فهم بينما يحتفلون بالعلماء الأحياء الذين قطعوا مفازة كبيرة في الجهاد العلمي، إذا بهم يحتفلون بالأموات تقديراً لمجهوداتهم الأدبية أو العلمية أو غيرها. وفي هذه الحفلات الأدبية ترى ألسن الشعراء والخطباء تتنافس في جيد القول، وكفى بها فائدة للحياة الأدبية.
وإذا نظرنا إلى المغرب الأقصى وأردنا أن نعرف ما يؤديه لحياته الأدبية من ناحية هذه المشارع لم نجد له أي عمل في ذلك، وهذا ما سبب لحياته الأدبية هذا الضعف وهذا الجمود، وأوقعه في هذه الأزمة الأدبية التي يعانيها ويذوق من أجلها الأمرين. نعم حاول بعض الأدباء أن يخطوا بالمغرب خطوة في هذا السبيل فكان من آثارهم حفلة ذكرى الأربعين لخالد الذكر (أحمد شوقي بك) وحفلة الذكرى الألفية لأبي الطيب المتنبي (أقيمت بفاس في ٢٥ رمضان الفارط) وهي خطوة حميدة في هذا الباب كان لها أثر أدبي جميل. غير إن هذا العمل الضئيل الذي قام به هؤلاء الأدباء لا يكفي في بعث الحركة الأدبية وإيقاظها، إذ هو لم يعد حفلتين كانت أولاهما منذ ثلاث سنين أو تزيد، وأخراهما في هذه السنة؛ وإنما الذي نتطلب أن تكون هنالك حفلات أدبية منظمة يتكفل بها أدباء مغاربة حتى يستطيعوا أن يكونوا حياة أدبية وأن يبعثوها من مرقدها، وقد حاول طلبة القرويين مراراً أن ينشئوا جمعية أدبية علمية يكون من أهم أغراضها تأسيس نادٍ لهذه الغاية فلم يظفروا بذلك من الحكومة.