للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(أخي!) وكانت شفتاه ترتجفان عجبا، وبقي صوته محتبسا في حلقه، وبدا يسعل ليستر خجله، ثم أمسك رقبته بيده

وقال زيومكا، ولم يطق صبراً: (ما بالك؟)

فقال له: (أخي! إننا نعيش كالكلاب، بل أتعس منها. . ولم ذلك؟ لا أحد يدري! ولكن لا بد من أن الله عز وجل أراد ذلك، فكل شيء يسير بإرادته. أليس كذلك يا أخي؟ نعم هو كذلك. ولذا أقول إن ما نلقاه نحن التعساء هو العدل. أليس ذلك تفكيراً صحيحاً؟ وعلى ذلك أفلا يمكن أن تتحسن حالنا؟ يجب أن نرتضي حظنا صابرين. . . أليس كذلك؟)

ولكن زيومكا أجاب على أسئلة زميله المتعددة المثيرة للخواطر بكلمة مختصرة: (يا قليل العقل!)

فانكمش ميشكا وقد عرف خطأه، وابتسم خجلا وبرقت عيناه المنتفختان من الخمر وسكت. ثم قال فجأة: آه، لو أن لنا (خنزيراً).

وكنا ذات يوم نتسكع في السوق نبتغي عملاً، فاصدمنا بامرأة عجوز ضامرة قصيرة ذات وجه كثير التجاعيد؛ وكان رأسها يهتز فوق عنقها. وعلى أنفها منظار كبير محاط بإطار غليظ من الفضة، يتأرجح يمنة ويسرة فتعمل يد العجوز لتثبيته في موضعه. أخذت تحدق فينا النظر؛ وقد وجهنا إليها أنظارنا طامعين في حديثها.

وسألتنا: أليس لكم عمل؟ أتبحثون عن عمل؟

ولما أجابها زيومكا في احترام بالإيجاب، قالت: (حسناً! عندي حمام قديم أريد هدمه. كما أريد أن تنظف النافورة. . . فكم من الأجر تطلبون؟)

فرد عليها زيومكا في احترام أيضاً قائلاً: (يجب أولاً يا سيدتي المحترمة أن يرى الإنسان حجم الحمام، وكذلك النافورة، فلكل نافورة شكلها الخاص، إذ منها ما هو عميق جداً و. . .)

وطلبت منا العجوز أن نرى النافورة. ولم تمض ساعة حتى كنا نعمل مجدين بالمناشير والمعاول في هدم الحمام. فلما انتهينا من عملية الهدم هذه وتنظيف النافورة تقاضينا مبلغاً قدره خمسة روبلات وهو الأجر الذي اتفقنا عليه. وكان الحمام مقاماً في ركن مهجور من الحديقة، وعلى مقربة منه كوخ خشبي تظلله أغصان شجر الكرز. وقد رأينا ونحن نهدم بناء الحمام العجوز جالسة في ذلك الكوخ عاكفة على قراءة كتاب كبير وضعته على

<<  <  ج:
ص:  >  >>