الشبابُ هو القوة؛ فالشمسُ لا تملأُ النهارَ في آخره كما تملؤه في أوله
وفي الشباب نوعٌ من الحياة تظهر كلمةُ الموت عنده كأنها أُختُ كلمة النوم
وللشباب طبيعةٌ أولُ إدراكها الثقةُ بالبقاء، فأول صفاتها الإصرار على العزم
وفي الشباب تصنع كل شجرة من أشجار الحياة أثمارها؛ وبعد ذلك لا تصنع الأشجارُ كلها إلا خشبا. . .
يا شباب العرب: اجعلوا رسالتكم: إما أن يحيا الشرق عزيزاً، وإما أن تموتوا
أَنقذوا فضائلنا من رذائل هذه المدنية الأوربيةُ تنقذوا استقلالنا بعد ذلك، وتنقذوه بذلك.
إن هذا الشرق حين يدعو أليه الغرب (يدعو لَمَن ضَرُّه أقربُ من نفعه لَبْئسَ الموْلى ولبئس العَشير)
لبئس المولى إذا جاء بقوته وقوانينه، ولبئس العَشيرُ إذا جاء برذائله وأطماعه.
أيها الشرقي! إن الدينار الأجنبي فيه رصاصةٌ مخبوءة، وحقوقُنا مقتولةٌ بهذه الدنانير.
أيها الشرقي! لا يقول لك الأجنبي إلا ما قال الشيطان: (وما كان لي عليكم من سلطانٍ إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي)
يا شباب العرب! لم يكن العسيرُ يعسر على أسلافكم الأولين، كأن في يدهم مفاتيح من العناصر يفتحون بها.
أتريدون معرفة السر؟ السرُّ أنهم ارتفعوا فوق ضعف المخلوق، فصاروا عملاً من أعمال الخالق
غلبوا على الدنيا لما غلبوا في أنفسهم معنى الفقر، ومعنى الخوف، والمعنى الأرضي
وعلَّمهم الدينُ كيف يعيشون باللذات السماوية التي وضعت في كل قلب عظمتَه وكبرياءَه
واخترعهم الأيمانُ اختراعاً نفسيّاً علامتُه المسجَّلة على كل منهم هذه الكلمة: لا يَذِل
حين يكون الفقر قلةَ المال، يفتقر أكثر الناس، وتنخذل القوة الإنسانية، وتهلك المواهب
ولكن حين يكون فقرَ العمل الطيب، يستطيع كل إنسان أن يغتنى، وتنبعث القوة، وتعمل كل موهبة
وحين يكون الخوف من نقص هذه الحياة وآلامها، تفسّر كلمة الخوف مائة رذيلة غير الخوف