الثورة بالحياة، فهذه الثورة هي وحدها وسيلة التطور الهادئ. أما حيث لا تكون الثورة، فالركود والجمود، وهذا الذي يشكو منه الأستاذ أحمد أمين، والذي يوجه اللوم من أجله إلى رجال قطعوا مرحلة النقد إلى مرحلة غيرها لعلها خير منها ولعلها شر منها
وإذا وجهنا اللوم إلى الشباب فجدير بنا أن نوجه اللوم إلى الذين يتولون تهذيب الشباب وإلى الذين يتولون تثقيفه. والساسة يتولون تهذيب الشباب والأساتذة المعلمون يتولون تثقيفه. أي هؤلاء أجدر بأن يوجه اللوم اليه؟ لقد أصبح شبابنا لا يعنى بنقد أثر أدبي لأن نقد الأثر الأدبي قد يدل على علو الكعب في العلم أو في الثقافة أو في التهذيب. ولكن ما قيمة ذلك في مصر اليوم؟!. . أهو يجر مالاً؟! أهو يجر جاهاً؟! أهو يجر احتراماً وتقديراً؟! سل الشباب عن ذلك يجيبوك إنما يجر المال شئ آخر غير العلم أو الثقافة أو التهذيب. والمال اليوم هو الذي يجر الجاه والاحترام والتقدير. ذلك رأى الشباب أو كثرته مع الشيء الكثير من الأسف. لذلك توجه الشباب إلى أقرب الموارد إلى المال وإلى الاستكثار منه، فبعد بذلك عن العلم وعن الثقافة وعن التهذيب، وبعد بمن كان مهذباً أو مثقفاً من الشبان عن النقد الذي يريد الأستاذ أحمد أمين أن يراه فتياً قوياً ناهضاً
بعد بهؤلاء الشبان عن النقد واصطناعه، لأن النقد أول شروطه الحرية، الحرية العقلية والحرية العلمية والحرية الأدبية؛ فهو لا يعرف الصداقة، ولا يعرف الإكبار والاجلال، ولا يعرف المجاملة والمداجاة؛ وهي فضائل يجب أن يتحلى بها الشباب في كل أمر وفي كل عصر؛ ويجب أن يتحلى بها الناس جميعاً وإن وجب أن تكون في الشباب أكثر وضوحاً وظهوراً. أفتريد هذا الشاب الناشئ أن ينقد كتاباً لهيكل أو لطه حسين أو لأحمد أمين أو للعقاد أو المازني أو لغيرهم ممن شئت، وهؤلاء قد يكونون وسيلته إلى الوظيفة وإلى مال الوظيفة وجاهها وما لها في أعين الناس من احترام وتقدير؟ لذلك آثر الشباب الراحة وجرى وراء الدعة وتعلم المداجاة والرياء حتى في العلم والأدب. والراحة سم الشباب القتال. والدعة والمداجاة مرضان لا يقلان عن الراحة فتكاً بالشباب. فإذا اجتمعت هذه الأدواء فتكت بحرية الشباب وحالت بينه وبين نقد الآثار الأدبية لقعودهما به عن الأيمان بالثورة. وهذا سبب العلة وموضع الداء.
فليلتمس الأستاذ أحمد أمين شباباً حراً يؤمن بالثورة وأنا ضمين له بعودة النقد إلى نهضته