مجاراة هذا النشاط التجاري المحض، العاري عن كل درس وتحقيق
ونحن نعرف ما يتكبده العلماء المستشرقون من الجهود الفادحة في إخراج آثارنا القديمة، والتوفر على دراستها وتحقيقها والتعليق عليها بدقة تثير الإعجاب، وإخراجها دائما في أثواب أنيقة محترمة
ولهذا كله نرى أن الوقت قد حان لتعنى السلطات المختصة بالعمل على مراقبة حركة إحياء الآثار العربية القديمة، وتوجيهها وتنظيمها تنظيما يتفق مع ما لتراثنا القديم من كرامة علمية، ويلائم في نفس الوقت حاجات العصر وذوقه وروحه. ويلوح لنا أن دار الكتب المصرية، وهى وريثة بولاق في الاضطلاع بإحياء الآداب العربية، هي أول سلطة أدبية يمكن أن تضطلع بمثل هذا الإشراف العلمي. ذلك أنها هي مستودع تلك الآثار الجليلة المخطوطة التي ترنو إليها أنظار الناشرين المحترفين من كل صوب، فيقبلون عليها بالنسخ المحرف، والنشر المشوه، لا يتكلفون في ذلك شيئا، ولا يصدهم قيد أو إشراف؛ وقد تكون هذه الآثار مما حصلت دار الكتب من الخارج بالتصوير، وأنفقت في سبيله كثيرا من الجهد والمال
ونحن لا نطلب أن تقوم دار الكتب بمنع النسخ والنشر؛ ولكننا نطلب إليها فقط أن تقوم بالإشراف عليها أشرافا فعلياً، وأن تضع لذلك نظاماً يكفل تحققها من وجود بعض الضمانات العلمية والمالية في الناشرين أنفسهم، فإذا لم تتوفر الضمانات العلمية - وهى غالباً غير متوفرة - اشترط أن يقوم بالإشراف على النشر شخص تتوفر فيه مثل هذه الضمانات. ويجب أن تمتد هذه الرقابة حتى صدور الكتاب، وأن يراعى صدوره في ثوب لائق، وأن يحدد ثمنه بعد صدوره بنسبة معقولة من تكاليفه؛ ويصح أن تتولى دار الكتب الإشراف العلي على الكتاب ذاته لقاء أجر معين، ويصح لها أن ترفض التصريح بالنسخ والنشر إذا لم تتوفر مثل هذه الضمانات؛ ويجب على أي حال أن يشمل هذا الإشراف كل أثر مخطوط ينشر في مصر، سواء استنسخ من دار الكتب ذاتها، أو من أي مكتبة أخرى عامة أو خاصة، في الداخل أو الخارج، لأن الغرض هو الإشراف العلمي على حركة إحياء الآداب العربية في مصر، ويجب أن يكون هذا الإشراف كاملاً شاملاً
ويمكن من جهة أخرى أن تتعاون المعاهد العلمية مع دار الكتب في هذه المهمة، فتشترك