للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أن تؤثر في سيره ونمائه، وذلك رغم ما كان يعتوره من اوجه النقص سواء في اختيار الكتب التي يراد نشرها، أو في الصور المزرية التي كانت تنشر بها؛ ورق اصفر رديء، وطباعة حقيرة، وأخطاء علمية ومطبعية لا حصر لها

أما ألان فقد تغيرت الظروف تغيراً واضحاً، وازدهرت الحركة الفكرية ازدهاراً عظيماً، وظفرت بمصر بطائفة كبيرة من المعاهد والمنشآت العلمية الراقية، وغصت بالشباب المتعلم، وأضحى مما لا يلائم ذوق العصر وأحواله، بل مما يضر بسير الحركة الفكرية ذاتها، أن يترك أمر نشر تراثنا العربي القديم فوضى دون ضابط ودون إشراف

فهناك موسوعات وآثار قيمة سبق نشرها في طبعات جيدة وأضحت نادرة لقدم عهدها، وهناك بدار الكتب المصرية مئات الآثار المخطوطة التي لم تنشر من قبل؛ وهذه جميعاً يقوم على نسخها ونشرها جماعة من الناشرين المحترفين العاطلين من كل مؤهلات علمية أو أدبية، والذين لا هم لهم سوى الكسب الوفير، فيخرجونها في نفس الأثواب والصور المزرية التي ألفناها منذ القرن الماضي، ويتقاضون فيها أثماناً فاحشة لا مبرر لها، منتهزين فرصة ندرتها إن كانت مما نشر، أو ظهورها لأول مرة إن كانت مما لم ينشر من قبل

وقد اتسع نطاق هذه الحركة في العهد الأخير اتساعا واضحاً؛ وألفى الناشرون المحترفون فبها سوقاً رابحة؛ فكثر تهجمهم على الآثار النفيسة مخطوطة وغير مخطوطة؛ وأخذوا ينشرونها في استهتار وجرأة، ممسوخة مشوهة، مشحونة بالأخطاء الشائنة لا يتكلفون في إخراجها سوى الطباعة الرديئة؛ ثم يبيعونها بأثمان فاحشة، كأنهم هم الذين ألفوها وأجهدوا أنفسهم في وضعها وكتابتها

ولا يخفي ما لهذا النشر المشوه لآثارنا القديمة من نتائج سيئة، فهو يخلو من كل ضمانة أو غاية علمية أو أدبية، ولا تحدوه سوى روح الكسب المجرد؛ ومن ثم كانت الصور المثيرة المزرية التي تصدر بها أجل آثارنا الأدبية، والتي كثيراً ما تصد الشباب المتعلم عن تناولها؛ وهو من جهة أخرى عامل كبير في إحجام علمائنا وأدبائنا عن المساهمة في هذا المجهود مع رغبة الكثيرين منهم في القيام على نشر بعض الآثار القديمة التي توفروا على دراستها وتحقيقها؛ ذلك لأن جهودهم العلمية الغالية، وحرصهم على نشر هذه الآثار في أثواب مقبولة لائقة، وما ينفقونه في هذا السبيل من الجهد والمال؛ كل ذلك يقعد بهم عن

<<  <  ج:
ص:  >  >>