كان الكلام بسيطاً ممتنعاً كان أذهب في البلاغة وأبعد في الروعة. ولعل ابن رشد أراد أن يجد مغمزاً في الشعراء الذين يحيدون عن غرضهم الموصوف إلى أغراض مختلفة ليست من الموضوع في شيء كالنسيب والغزل المتكلف البالي، وهم يحسبون انهم يحسنون صنعاً. ثم يرى أن يكون التركيب على المشهور عندهم سهلاً عند النطق، وهو عند العرب الفصاحة. وأما أنواع المحاكاة غير المقبولة فعد أشهرها:
منها أن يحاكى بغير ممكن بل ممتنع، وهو الذهاب في أغراب الصورة حتى لا تطابق الواقع وغير الواقع، كقول ابن المعتز يصف القمر في تنقصه:
أنظر إليه كزورق من فضة ... قد أثقلته حمولة من عنبر
وإن هذا لممتع.
ومنها تحريف المحاكاة عن موضعها كما يعرض للمصور أن يزيد في الصورة عضواً ليس فيها، أو يصوره في غير مكانه؛ وقريب منه قول بعض المحدثين يصف الفرس:
وعلى أذنيه أذن ثالث من سنان السمهري الأزرق ومنها محاكاة الناطقين بأشياء غير ناطقة، وذلك أن الصدق في هذه المحاكاة يكون قليلاً والكذب كثيراً، إلا أن يشبه من الناطق صفة مشتركة للناطق وغير الناطق كتشبيه العرب النساء بالظباء وببقر الوحش
ومنها أن يشبه الشيء بشبيه ضده أو بضد نفسه، كقول العرب (سقيمة الجفون) في الحسنة الغاضة النظر، فان هذا ضد الصفة الحسنة، وإنما آنس بذلك العادة ومنها أن يأتي بالأسماء التي تدل على المتضادين. ومنها أن يترك الشاعر المحاكاة الشعرية، وينتقل إلى الإقناع والأقوال التصديقية، وبخاصة متى كان القول هجيناً قليل الإقناع كقول امرئ القيس يعتذر عن جبنه:
وما جبنت خيلي ولكن تذكرت ... مرابطها من بَرْبعيص ومسيرا
وقد يحسن هذا الصنف إذا كان حسن الإقناع أو صادقا كقول الآخر:
الله يعلم ما تركت قتالهم ... حتى رموا فرسي بأشقر مزبد
وعلمت أني إن أقاتل واحدا ... أُقتل، ولا ينكي عدوي مشهدي
فصددت عنهم والأحبة فيهم ... طمعاً لهم بعقاب يوم مفسد
فهذا القول إنما حسن لصدقه، لأن التغيير الذي فيه يسير، ولذلك قال القائل: يا معشر