للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نفسه، حتى إن فلسفته أوشكت أن تموت في أذهان القراء.

المدرسة الإقليمية

وقبل التحدث عن أثر المدرسة الإقليمية في الأدب الإيطالي الحديث يحسن بنا أن نتحدث عن خصائصها ومميزاتها، فهي تلتمس أسلوبها في فن جيوفاني فرجا وتميل بعض الشيء إلى الرواية الهادئة التي تقوم على ذكريات خاصة خالية من روح التكلف، وإلى الحياة الفطرية الساذجة، والعودة إلى أحضان الطبيعة مع إحياء الطابع القومي الخاص في الأدب الإيطالي الحديث.

وإذا اعتبرنا أن المذاهب الأدبية في إيطاليا تقوم على الوجدانيات المبالغ فيها، والخيال الشعري، والوطنية المتأججة، أمكننا أن نوازن بين الفن الروائي القديم وبين الفن الذي ابتدعه فرجا؛ فهو يقوم على الحس والمشاهدة الملموسة مع تصوير العادات والأخلاق والحوادث التاريخية البارزة.

وربما كان فن المدرسة الإقليمية يمت بأقوى الصلات إلى اسكندر ديماس، وأسلوبها الكتابي إلى جورج صاند التي سبق أن قضت فجر شبابها في ربوع إيطاليا، وكان لجو البندقية الشعري أثر بليغ في روحها الغنائية.

لقد نشأ (فرجا) في مدينة كتانيا بجزيرة صقلية، وطوف بأنحاء إيطاليا بقصد التبشير بفنه الجديد، وتكوين جمعيات أدبية في كل من فلورنسا وميلانو. وقد ساعده على ذلك أن عصره كان يسوده الهدوء الطبيعي وفتور القلاقل السياسية. ومن السهل أن نلتمس في روايات فرجا ظل الحياة الصقلية فهي مسرح فنه ومهبط وحيه. وقد رسم لنا في بعض رواياته الفذة (كالإرادة السيئة) طغيان حكومات عهد الإقطاع على صقلية وأساليب جمعية المافيا الإجرامية التي ظلت تبسط سطوتها على الجزيرة زهاء ثمانية قرون. وكان رائده في كل ما يسرده من الوقائع الإخلاص والشعور المرهف. فرواياته من هذه الناحية ليست ذات قيمة أدبية فحسب، بل يمكن اعتبارها من الوجهة التاريخية وثائق مشرفة للحياة الاجتماعية والسياسية وللأخلاق والعادات في الريف الإيطالي.

وعلى الرغم من أن هذه الرواية لا مغزى لها، فإننا نلمح بين سطورها أثار العقلية الإيطالية الخصبة، ووصف الحروب الاستقلالية والمعارك البحرية في الادرياتيك، وأخلاق

<<  <  ج:
ص:  >  >>