العالم. قال في محاضرة ألقاها في جامعة هندية:(إن اشبنجلر في اجتهاده لإثبات نظريته يسوق جيشاً عرمرماً من الحوادث والتراجم كالشواهد ليبين أن روح المدنية الأوربية مضادة لروح المدنية اليونانية واللاتينية، وأن تضاد روح المدنية الأوربية هذا ناشئ عن طبع الذكاء الأوربي الخاص وليس عن أي الهام قد تكون استلهمته من الثقافة الإسلامية التي هي عنده (ماجية) في النوع والروح تماماً. إنني قد سعيت في محاضرتي السابقة لأثبت لكم أن تضاد روح العالم الحاضر هذا لروح المدنية اليونانية واللاتينية هو في الحقيقة ناجم عن ثورة الإسلام ضد الفكر اليوناني؛ وظاهر أن هذا الرأي لا يمكن أن يقبله اشبنجلر، فإنه لو قيل إن تضاد روح الثقافة الحاضرة للمدنية اليونانية واللاتينية ناتج عن استلهامها ذلك من الثقافة التي سبقتها مباشرة، لانهارت نظريته من أساسها، لأنه قد قرر فيها أن كل مدنية منفردة مستقلة لا اتصال بينها وبين ما قبلها وما بعدها. لذلك أخشى أن يكون جهد اشبنجلر لتأسيس نظريته هذه قد أفسد نظره في الإسلام كالحركة الثقافية إفسادا تاماً).
(يريد اشبنجار (بالثقافة الماجية) الثقافة العمة المشتركة بين ما يسميه اشبنجلر (مجموعة الأديان الماجية) وهي عنده الديانة اليهودية، والكلدانية القديمة، والمسيحية القديمة، والزرادشتية والإسلام. فلا أنكر أن الغشاء الماجي نبت على الإسلام ولكن مهمتي في هذه المحاضرة كما كانت في محاضراتي السابقة هي حماية صورة صحيحة لروح الإسلام الخالصة المجردة عن غشائها الماجي الذي في رأيي أضل اشبنجلر. إن جهل اشبنجلر للفكر الإسلامي في مسألة الزمان، وكذلك جهله للطريق الذي به ظهرت الأنانية في الاختبار الديني الإسلامي كالمركز الحر للتجربة، مدهش. فبدلا من أن يستفيد ويستنير من تاريخ الفكر الإسلامي وتجاربه هو يفضل أن يؤسس حكمه على عقائد العامة في بداية الزمان ونهايته. فكروا هنيهة! في رجل ذي علم غزير كالجبل الشامخ وهو يستمد لإثبات الجبر المزعوم في الإسلام من المقولات والأمثال العامة الشرقية مثل (قوس الوقت) أو (لكل شيء وقت). إنني على كل حال قد بينت لكم في محاضراتي السابقة أصل فكرة الزمن في الإسلام وتقدمها كما شرحت لكم الأنانية الإنسانية كالقوة المطلقة، وأعتقد أنه وافي بالغرض؛ وأما انتقاد آراء اشبنجلر في الإسلام وفي الثقافة التي نجمت عنه انتقاداً