وافياً فظاهر أنه يحتاج إلى مجلد ضخم. غير أني زيادة على ما قلت أحب أن أقدم إليكم ملاحظة أخرى عامة)
يقول اشبنجلر (إن لب تعليم الأنبياء ماجي. فهناك إله واحد - سواء أيقال له يهوذا، أم اهورامزدا، أم مردوك بعل، وهو الأصل للخير. وأما الآلهة الأخرى فجميعها إما عَجَزة أو شريرة، وضُم إلى هذه العقيدة الأمل في ظهور المسيح الذي كان أكثر وضوحاً في النبي ايشائيا ولكن ذلك الأمل ظهر في القرون بعده في كل مكان تحت ضغط الضرورة الباطنية بالشدة. وهذا الفكر فكر أساسي في الدين الماجي لأنه يشمل من دون النزاع تصور حرب العالم التاريخية بين الخير والشر مع سيادة قوة الشر في الأوقات المتوسطة وفوز الخير في الآخر في يوم القيامة.) لو أريد تطبيق هذه الصورة لتعليم الأنبياء على الإسلام فهو يحرفه تحريفاً تاماً، فان الفرق الهام بينهما هو أن الرجل الماجي يقبل وجود الآلة الباطلة وان لم يعبدها، بينما الإسلام ينكر نفس وجودها إنكاراً تاماً. واشبنجلر يعجز في هذا الخصوص عن أن يقدر القيمة الثقافية لفكرة ختم النبوة في الإسلام حق قدرها. نعم مما لا شك فيه أن صفة واحدة مميزة في الثقافة الماجية هي موقف الأمل الأبدي، هي الانتظار المستمر لمجيء أولاد زرادشت غير المولودين، أو المسيح، أو بارقليط الإنجيل الرابع، ولكني قد بينت لكم في محاضراتي السابقة الطريق الذي يجب لطالب الإسلام أن يسلكه في البحث عن المعنى الثقافي لفكرة ختم النبوة في الإسلام. وزيادة عليه أقول إنه يمكن أن تعتبر هذه الفكرة علاجا نفسياً للموقف الماجي للأمل المستمر الذي يفضي إلى تقديم صورة كاذبة للتاريخ. لذلك لما رأى ابن خلدون أنه قد ظهرت في الإسلام تحت أثر الفكر الماجي فكرة - ظهور المهدى - التي تشبهها على الأقل في نتائجها النفسية، وأنها تخالف نظره في التاريخ محقها بالانتقاد محقاً تاماً)