شاعر سيف الدولة الفحل، وكان كُشاجم الشاعر الرقيق أحد خدمه، وأبو الفرج الببغاء وصافة الحروب أحد كتبته ومواليه، والسري الرّفّاء والواوي من شعرائه، وكان ابن عمه أبو فراس من بطانته، وكان سيف الدولة مع ذلك الشاعر الفحل والنقادة البارع؛ وربما - لو فرغ للشعر - فاق هؤلاء جميعاً. ويعزون له شعراً لا نعرف في الشعر العربي كثيراً مما يشبهه رقة ودقة. يذكرون أنه خاف على إحدى جواريه فحجزها في إحدى قلاعه، وقال في ذلك:
راقبتني العيون فيك، فأشفق ... ت ولم أخل قط من إشفاق!
ورأيت العدو يحسدني في ... ك مجدّاً بأنفسِ الأعلاق
فتمنيت أن تكوني بعيداً ... والذي بيننا من الود باق
رب هجر يكون من خوف هجرٍ ... وفراقٍ يكون خوف فراق
وقال يصف قوس قزح:
وساقٍ صبوح للصبوح دعوته ... فقام وفي أجفانه سِنة الغمض
يطوف بكاسات العقار كأنجم ... فمن بين منقض علينا ومنفض
وقد نشرت أيدي الجنوب مطارفاً ... على الجودُ كنا، والحواشي على الأرض
يطرزها قوس السحاب بأصفر ... على أحمر، في أخضر، إثر مبيض
كأذيال خود أقبلت في غلائل ... مصبَّغة، والبعض أقصر من بعض
والذي يعنينا من عقد المقارنة بين سيف الدولة العربي وميسيناس الروماني هو الوصول إلى أبى الطيب عن طريق سيف الدولة، وهوراس عن طريق ميسيناس. فلقد كان أبو الطيب المتنبي خاملاً حتى اتصل بسيف الدولة فنبه؛ وكان فقيراً فأعطاه سيف الدولة حتى اغتنى. وكان أبو الطيب يحب سيف الدولة بقدر ما يشعر له كما كان يقول الثعالبي؛ وكذلك كان هوراس الشاعر الروماني الكبير من ميسيناس الروماني الكبير
كان ميسيناس كبير مستشاري أكتافيوس (تلك الشخصية الفذة التي تدور حولها وقائع الفصل الأخير من درامة الجمهورية الرومانية، والذي ثأر من بروتس وشيعته قتلة قيصر، وتخلص بلباقة من شراك كليوبطره، والذي منحه مجلس الشيوخ لقب (أوغسطس) أي المعظم؛ ولقب برنسبس أي المجلى أو أعظم أعضاء مجلس الشيوخ، والذي صار فيما بعد