العقل، لا من حيث الخلايا المخية التي هي مركزه، بل من حيث هو اسم لكل مظاهر الذكاء والغباوة والحب والبغض والغضب والحلم واليقظة والنوم، فتكوِّن من ذلك أو كاد يتكون علم جديد لا أجد إسما أنسب له من (كيمياء الروح)
وطريقة هذا العلم الجديد كطريقة كل علم، يبدأ بالمعلوم ليتعرف المجهول. والمعلوم هنا الجسم والمجهول النفس، فهو يحدث تغيرات في الجسم ويرقب أثرها في النفس. وليست علاقة الجسم بالنفس بجديدة، فقديماً عرفنا الصيام يشحذ الفكر إلى حين، والطعام الكثير يثلمه حتى يسلم صاحبه إلى النوم. وسمعنا الفلاسفة والمفكرين في قديم الأزمان يعافون الطعام رغبةً في صفاء البصيرة وجلاء الذهن. ونسمعهم اليوم يترسمون في ذلك سنّة السلف، فغاندي يعيش على اللبن والبرتقال، واينشتين يقنع من اليوابس والسوائل بالقليل الميسور الذي لا يقنع الولد الصغير. ولكن هذه ملحوظات يلحظها الإنسان عفوا وهو لا يدري أين يلحظها ولا متى، وإن هي حانت فهو لا يتعمد لحظها ألا إذا ملكت عليه انتباهه.
ولكن هذا العلم الجديد ينتظر الحوادث ويجثمُ على مرقب عال طلباً للفرص التي قد تمر، وهو إلى جانب هذه الحوادث وتلك الفرص السانحة يخلق لنفسه الحوادث ويفتتح مواطن للتجارب يكون هو العامل الأكبر في إحداثها، والمهيمن الأول على إدارتها وتوجيهها.
جاءت الحرب العالمية فأجاعت كثيراً من الخلق في الأمم المختلفة، وكان من أشدهم جوعاً ألمانيا، وكان من أشد أهلها تأثراً بذلك أطفالها، فتهيأت الفرصة للبحث، فجاء هذا العلم يبحث في الغذاء الذي كان كانت تتعاطاه تلاميذ المدارس أْيام السنوات العجاف، في مقداره ونوعه وعناصره، ويبحث في ذلك لا في أثر ذلك في أجسامهم فحسب، بل في أثره في عقولهم ونفسيتهم وروحهم، لا إجمالاً بل تفصيلاً، فعاهات النفس كعاهات الجسم، وخلل الروح كخلل المادة التي تتقمصها، أي أنها مثلها تختلف في الكيف كما تختلف في الكم، ولكل عاهة أسم إن كان الآن فيه كثير من الإبهام، فأنه إبهام ينجلي لا شك بطول البحث وكثير من الأناة والجلد. وخرج العلم من هذا البحث إلى أن أربعين في المائة من التلاميذ فقدوا مقداراً كبيراً من طاقتهم العصبية العامة بسب فقدهم عناصر هامةً في الطعام، وخرج على أن اختلافات خاصة في الشخصية وتغيرات محدودة في الطبع ترتبط بنقص في بعض جواهر الغذاء الذي كان. ومن النتائج التي خرجوا عليها علاقة بينة بين مرض