صالحاً لأن معظم الدول الأوربية كانت تجيش يومئذ بعوامل الخصومة السامية، وتلقى اليهودية الاضطهاد المنظم في كل مكان. وفي كتاب (الدولة اليهودية) يعرض هرتسل فكرة الوطن القومي عرضا قوياً، ويرى أن يتخذ هذا الوطن صورة دولة يهودية في فلسطين تكون تحت سيادة الباب العالي، وتؤدى له الجزية، وتكون البقاع المقدسة منطقة مستقلة ذات نظام خاص؛ فصادفت الدعوة نجاحاً عظيما بين أقطاب اليهودية في أنحاء العالم كله، وانتظمت الحركة تحت لواء هرتسل وزعامته. وفي أغسطس سنة ١٨٩٧، عقد مؤتمر يهودي عام في بازل (سويسرا) برياسة هرتسل، ووضع فيه برنامج الصهيونية الرسمي، وعرفت غاياتها ووسائلها على النحو الآتي:
(تسعى الصهيونية لتحقق للشعب اليهودي إنشاء وطن قومي في فلسطين يتمتع بالضمانات التي يقررها القانون العام، ويرى المؤتمر أن يتذرع بالوسائل الآتية لتحقيق هذه الغاية:
(١) أن يشجع استعمار فلسطين بواسطة الزراع والعمال والصناع.
(٢) أن ينظم العالم اليهودي بأسره وأن يحشد في الجماعات المحلية أو العامة طبقا لقوانين البلاد المختلفة.
(٣) أن تقوى لدى اليهود عواطف الكرامة القومية والاعتزاز بالجنس.
(٤) أن تبذل المساعي اللازمة للحصول على التصريحات الرسمية الضرورية لتحقيق غاية الصهيونية.
هذا هو هيكل الصهيونية وبرنامجها العملي؛ وقد تطورت ظروف العالم السياسية منذ عصر هرتسل ومؤتمر بازل، واستطاعت الصهيونية بعد جهود ومحاولات عديدة أن تلقى فرصتها في الحرب الكبرى، وأن تظفر بتحقيق الشطر الأول من برنامجها بإنشاء الوطن القومي في فلسطين، ولكن لا تحت سيادة الباب العإلي، وانما تحت السيادة البريطانية، وذلك بمقتضى عهد بلفور الذي قطعته الحكومة البريطانية على نفسها في نوفمبر سنة ١٩١٧.
وقد مضى على قيام الوطن القومي اليهودي في فلسطين زهاء تسعة عشر عاماً، وأصبح في ظل الانتداب البريطاني، وطبقاً لنصوص الانتداب ذاته، من الوجهة الدولية، نظاماً شرعياً معترفاً به من جميع الدول الكبرى؛ وفي هذه الفترة بذلت اليهودية جهوداً جبارة