لم تنضج بعد، مؤداها أن الغدة النخامية وموضعها بقاعدة المخ، بها مادة كيميائية تسمى بالهرمونات، وهي واحدة من عدة مواد توجد في الجسم تسمى بالهرمونات، وهرمون هذه الغدة به عنصر البروم، فإذا بدأ النوم يخرج هذا الهرمون البرومي إلى سائر المخ شيئاً فشيئاً حتى يضيع كله، فإذا أستيقظ الإنسان أخذت هذه الغدة تحشد البروم، حتى إذا تكوَّن فيها بقدر معلوم أتى المرء النعاس، وخرج البروم يسير سيرته الأولى. بالطبع هذه النظرية في حاجة إلى بحث كثير من غير واحد لتأييدها، ولكنها إذا تأيدت وأتضح لنا أن النوم ما هو إلا محاولة الجسم إعادة أتزان كيميائي في الرأس لكان في الإمكان إحداث هذا الاتزان في المعمل والاستغناء عن النوم، وبذلك يتضاعف عمر العامل المنتج.
لا نريد أن نعدد كل ما صنع هذا العلم ولا كل النتائج التي خرج عليها ولا الظنون التي لا تزال تساوره ولم تدخل بعد في مضرب الحقائق، فأنه علم وليد، ولكننا نريد أن نؤكد العقيدة البارزة في كل أعماله وهي أن مظاهر الروح الخارجية وثيقة الارتباط بالتفاعلات الكيميائية للجسم الذي تسكنه، وأن الإنسان إذا أنصت يفكر في ضحولة أو عمق، أو تكلم يقرع الحجة بالحجة أو إذا هو سرّ فضحك فزاط وقصف أو تجهم واكتأب فتجرع الحزن في هدوء وصمت، أو إذا هو أحب أو أبغض أو خاف أو تجرأ، فإنما يفعل ذلك بجسمه لا بروحه وحدها، يفعل ذلك بالعقاقير الكيميائية التي بدمه ولحمه وغدده وعصبه وخلاياه جميعاً، وأن هذه الانفعالات تسبب شدتها وكثرتها إجهاداً للمراكز الجسمية التي تصنع هذه العقاقير، وأخص تلك المراكز الغدد التي تقوم بسب العقاقير التي تفرزها بموازنات عدة لتفاعلات متناقضة شتى ينشِأ من اختلالها اختلال الجسم والروح. ولا أدل على هذا من نظرة يلقيها المرء في معترك الحياة التجارية في هذه المدينة الحاضرة حيث تتصارع قوى العيش الهائلة وتصطدم العواصف والآمال تصادم الجبال، أعني بذلك البورصات، فقد دل الإحصاء على أن عدد الإصابات التي سببها تلف يعتري تلك الغدد، كالبول السكري وصنوف معروفة من الجنون، يزداد بعد كل زوبعة من زوابع المضاربات.
وإن كانت انفعالات الروح الطائشة تتلف معمل الجسم الكيميائي الذي في صلاحه صلاحها، كان من الطبيعي إذا اعترى التلف الروح (ذلك السر المعجز) أن نبحث عن سبب هذا التلف في حجرات المعمل، وأن نرد غازات كريهة نشمها ولا نراها تخرج من مداخن