للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقرب من بيته، وهنا يطلع عليهم كلب للجيران أسود ضخم يربض دائما على الجسر، فينطلق وراءهم حتى يشردهم في الدروب. وشد ما غاظ هذا الكلب الأطفال حتى تسمعهم يهمسون خوفا من أن يسمعهم الكلب (لولا هذا الكلب. . ابن الكلب. . لكان الأعمى. . .) وإن كانوا يقررون بينهم وبين أنفسهم أنه قلما كانت تصيب الرجل حصاة واحدة من كل ما يرمونه من حصى وحجر.

ولم يكن لهذه العداوة سبب ظاهر في الحقيقة، اللهم إلا الطبع الشرير الذي ينزع بالأطفال إلى السوء، ويجلب لهم أذى الضعفاء من الناس.

تأخر الأعمى مرة في المسجد حتى زحف الليل، وتكاثف الظلام واشتد، فسمع وهو راقد في ركن من أركان المسجد صوت الدلو في البئر، فاستوى على قدميه، ومشى على أطراف أصابعه كاتما أنفاسه، وصدره يضطرب، وجسمه كله يهتز، حتى جاز صحن المسجد، وتيامن إلى البئر، وقلبه واجف. وكان قد خفت صوت الدلو، ووضح صوت (الجبيذ) فقال لنفسه، لا بد أن امرأة تجذب الدلو الآن وهي مشتغلة به فلا تسمع خطوات قادم. . . ووقف برهة ثم صاح بصوت خشن: (مين؟)

فاستدارت المرأة وحملقت في الظلام. أواه. . . إنه سيد الأعمى على مدى ذراعين منها، ورمت الدلو وأذهلها الموقف المرعب عن إبداء حركة ما، فوقفت فاغرة فاها، ثم أسعفتها غريزة الهروب بعد ثوان، فولت هاربة، فسمع وقع أقدامها فجرى ورائها، وسمعه إلى خطاها، وجرت حتى جاوزت المسجد، وبودها لو تصيح بأعلى صوتها، ولكن من أين لها القوة على ذلك؟ وكيف يطاوعها الصوت؟ وعثرت قدمها بحجر في الطريق فكبت على وجهها مذعورة، وأنت عند ذلك أنة قوية، فجرى على الصوت وأهوى بيده العمياء ولمس كتفها، وكان قد بلغ منه الجهد فوقف يلهث ويده ممسكة بكتفها، ثم أنزل يده حتى قبض بعنف على رسغها، وقامت المرأة متراجعة، تود لو تفلت منه بكل ما تستطيع من قوة، ولكنه ضغط على يدها بشدة، وتحسس بيده الأخرى وجهها وقال في صوت متزن:

(جميلة. . .؟)

(. . . . . .)

ووقفت المرأة صامتة تهتز وترتجف

<<  <  ج:
ص:  >  >>