للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(لم لا تناديني لأملأ لك الجرة؟)

وقد رق صوته جداً، فدهشت من تطور حاله وصمتت

(لماذا؟)

فشجعها صوته اللين وأجابت

(إنك لا تسمح لأحد بالدنو من البئر. . . فكيف أناديك؟)

(ليس لواحدة أو اثنتين. . . وإنما عندما تجئن بالعشرات فتقطعن الحبل، وتمزقن الدلو، وتهشمن خشب الجبيذ. . . في البلد أكثر من أربع آبار قريبة، فلماذا تجئن إلى هنا دائماً. . .؟)

(لأن هذه أعذبها ماء. . .)

(هذا الماء العذب كثيراً ما ينزح. . .)

(النيل في فيضانه والماء كثير. . .)

(أجل. . . أ. . . أ. . . ولكن. . . أملأت الجرة؟)

(نصفها. .)

(سأكملها لك)

وانقلب إلى البئر، فمشت وراءه مطمئنة، وأدلى الدلو وهو يحس بعض الاضطراب، فأخذ يدير الجبيذ بسرعة ليملأ لها الجرة ويصرفها عنه، ويبعدها عن وحدته وسكونه.

وقال وهو يفرغ الدلو بصوت خافت لين المخارج:

(إذا جئت مرة أخرى. . . ناديني لأملأها لك)

(كتر خيرك)

وساعدها على حمل الجرة، وانطلقت بها إلى بيتها، ووقف ينصت إلى هزيم الريح القوية في الحقل البعيد.

وأخذت جميلة بعد هذه الليلة تتردد على البئر دون خوف أو وجل، كانت تجئ في كل يوم مرة، عند مطلع الفجر أو بعد أذان العشاء، لأن زوجها لا يسمح لها بالسير في طريق القرية إلا بعد أن ينام الناس، وتنقطع الرجل. . فهي فتاة في رونق صباها رائعة الحسن غضة العود وزوجها يخشى عليها العين! ولا يحب لها ملاقاة شبان القرية الذين يقفون على

<<  <  ج:
ص:  >  >>