كان للمذهب التصوري وجاهته في الفلسفة فهو بمعناه الفلسفي هراء في عرف الأدب وأهْله.
على أن هذا الكلام لا يراد به الطعن في الطريقة التي سلكها الأستاذ يعقوب. فأن تأليف كتاب يتناول هذه الآفاق الرحيبة في الفلسفة وعلاجها على هذا النحو البسيط السهل الميسور لكل قارئ لمقدرة ومهارة تستحقان كل ثناء وإعجاب. فان كنت في شك من هذا فقارن ما كتبه الأستاذ بما يكتبه أغلب الذين ينقلون إلى الجمهور نظريات علم النفس، تَرَ العجز البيّن عن تمصير ما يكتبون حتى في نقل الأمثلة التي قرءوها في المراجع الأجنبية. . . أما الأستاذ يعقوب فهو يحدثك عن أحدث مذاهب الفلسفة وأقدمها فَتُحِسّ وكأن أصحابها مصريون تحسن فهمهم وتجيد تقديرهم ولا تجد بينك وبينهم هوة في فكرة أو روح. .!
وقد انتهي الأستاذ إلى هذا التوفيق بعد جهد كان أبرز آياته الاتئاد عند كل فكرة والإطناب في شرحها حتى يطمئن على سهولة فهمها ويسر إدراكها. على أن هذا الاتئاد وإن لازمه في (شرح) الكاتب منذ بدايته حتى نهايته، فان بعض الفصول التي أضافها الأستاذ توضيحاً للمذاهب أو تمهيداً لذكرها أحكاماً يشوبها الضعف أو نقصاً في استيفاء الموضوع. أو هكذا يخيل إلىّ. . . فتراه يكتب فصلاً يدلِّل فيه على أن الناس خاصتهم وعامتهم يتفلسفون وإن أنكر بعضهم أنه يتفلسف. .! ذلك لأنهم يعيشون في الدنيا ويضربون في زحمتها متأثرين بآراء قد تولت الفلسفة البحث فيها وانتهت منها إلى نظريات ومذاهب قد يعرفها طغام الناس. وهذا رأى غريب، لأن الفلسفة ليست (عناوين) من عرفها كان من حقه أن يكون فيلسوفاً، وإنما هي (بحث) يتناول الآفاق المجهولة في رحاب الحياة، هي (بحث) مجهول للناس يتناول ما تجهله العلوم وأهلها - ونهجها في ذلك توضيحه هذه الجملة: أنى وقف التفكير العلمي بدأ التفكير الفلسفي - فالناس عامتهم وخاصتهم لا يتفلسفون وإنما تبلغهم آراء يوحي بها الدين أو يمليها العرف - بما يؤلفه من مختلف العناصر - فيعملون بها ويسيرون على نهجها من غير تفكير في أمرها؛ فان تناولوها بالجدل حيناً فسرعان ما ينحرفون عنه مقتنعين ولو بلا شئ. وليس هذا شأن المتفلسفة في آي زمان أو مكان. . . أو ترى الأستاذ يكتب فصلاً ممتعاً يتناول فيه وظيفة العلم وطريقته في البحث ويلخص لك ما ينتهي إليه ويثبته في أرقام مسلسلة ليتيسر للقارئ معرفة الفوارق بينه وبين الفلسفة،